خالد منتصر
هناك زاوية مقربة ومرعبة للقطة خنق جورج فلويد بواسطة الشرطى الأمريكى، يظهر فيها حذاء الشرطى الأمريكى الأبيض بجانب عينى المخنوق الأسود، العينان مرعوبتان، متوسلتان، تصرخان قبل الفم «لا أستطيع أن أتنفس»، هذه الصورة أشعلت أمريكا، وأخرجت ما تحت السطح، وخدشت كل سطح الماكياج، ومزقت القناع الهش، صورة صحفية تغنى عن ألف مجلد، وأكثر ثراء من كل قواميس الأرض، هل كانت كل معارك ونجاحات السود وخطب مارتن لوثر كنج وانتخاب أوباما مجرد مسرحية هزلية؟!، ماذا حدث؟،

كلها أسئلة حائرة تتطلب إجابات حاسمة، والمدهش ما حدث بعدها فى ولايات أمريكا خارج مينيابوليس التى وقعت فيها الحادثة، فعلامة الاستفهام الغامضة صارت علامات أكثر غموضاً، فمن الطبيعى أن تحدث مظاهرات غاضبة، فالحادث ظالم، والمشهد مرعب، ومهما حدث فالقانون أمامك استخدمه حتى أعلى سقف، لكن لا تقتل فرداً أياً كان خنقاً ما دمت كشرطى قد تمكنت منه وقمت بشل حركته، لكن أن تتجاوز المظاهرات فى قارة الأحلام والثراء والرفاهية نطاق الاحتجاج إلى السلب والنهب والسرقة، هذا هو السؤال الذى يفرض نفسه، ما الذى يجعل غريزة العدوان تلتهب ويعود الإنسان إلى بدائيته وشراسته الأولى واندفاعه الغريزى الفوضوى؟،

فالفيديوهات تنقل مشاهد مزعجة وصادمة ولا مبرر أو تفسير لها بفقر أو حاجة أو عوز، فنحن نشاهد رجلاً يدخل إلى محل نايكى للملابس الرياضية ويخرج حاملاً ثلاثة أحذية رياضية ليركب سيارته الفور باى فور، وسيدات يدخلن إلى محل لوى فيتون ليخرجن حاملات حقائب ليضعنها فى سياراتهن الفاخرة، مشاهد حرق وتكسير وتدمير، هى من مخزون الغرائز البدائية التى كنا قد ظننا أن الحضارة قد جعلتها من النفايات، لكن اتضح أنها كانت مجرد قشرة حضارة من طلاء هش على خواء، وللأسف لا فرق بيننا وبينهم، حتى لا يسارع أحد فيقول إن شعوبنا استثناء لأننا لدينا ثراء روحى ودينى على عكسهم، فقد شاهدنا مثل تلك المشاهد من قبل، اقتحامات للمولات ولكارفور.. إلخ بعد ثورة ٢٥ يناير، وشاهدنا من يخرج حاملاً مجوهرات ألماظ، ومن يخرج حاملاً علبة تونة!!،

ومن أحرق سيارة، ومن قام بتبوير أرض زراعية ليبنى عليها، لدرجة أن قرى كثيرة اختفت حقولها فجأة وتحولت إلى غابات أسمنت، والسؤال هل الإنسان حتى فى أعلى البلاد تعليماً وتحضراً يحتاج إلى رجل الشرطة القوى دائماً ولا يمكن أن نتركه لضميره المتحضر؟، وهل يحق لمن تنمروا على لون بشرة شيكابالا أن يعلنوا ويدعوا غضبهم لجورج فلويد؟، وما الوسيلة لقتل الفكر العنصرى فى العالم؟، ومتى يتوقف هذا الجنون؟، وما معنى التحضر؟، وهل يوجد ما يسمى بالمساواة المطلقة فى القانون بالفعل؟، علامات استفهام أتمنى أن توضع على طاولة التشريح حتى نطمئن على أننا قد تجاوزنا مرحلة إنسان الكهف، لكن هل نطمئن فعلاً، أم نظل نتساءل سؤال أمل دنقل «ومتى القلب فى الخفقان اطمأن؟».   
نقلا عن الوطن