عبد المنعم بدوى
كانت مصر تحتفل فى يوم 23 يوليو من كل عام فى ذكرى الثوره بأقامة أستعراض لطابور عسكرى فى ميدان التحرير ، يبدأ من كورنيش وكالة البلح مرورا بميدان التحرير حتى الأزهر ( أستمر هذا التقليد حتى نكسه 5 يونيو 1967) .. وكنت أحرص أنا وأصدقائى الشباب فى ذلك الوقت ، على الذهاب مبكرا الى الميدان لمشاهدة هذا العرض العسكرى ، من دبابات وصواريخ ومدافع وجنود ... وكنا بعد أنتهاء العرض ، ونحن عائدون الى منازلنا سيرا على الأقدام ، نسخر من هذا الجهد المبذول من غير طائل ... ومن النفخه الكدابه ، فهو أستعراض لجنود مختارين بعنايه ، ملابسهم نظيفه مغسوله ومكويه وأحذيتهم جديده لامعه ، والمعدات جديده وبراقه ... كان أستعراض لمعدات لم نصنع منها مسمار ، ولانملك لها قطع غيار .

وفى المساء من ذات اليوم ، يقف جمال عبد الناصر فى ميدان عابدين يخطب فى الجماهير ... ويقول لنا " أنتم جيل على موعد مع القدر " ، ويستمر فى أستعراض إنجازات ثورته ، وماذا قدمه لمصر وشعبها من أستصلاح أراضى ، الى تأميم قناة السويس ، الى البدء فى بناء السد العالى ، إلى بناء ألف مصنع من الأبره إلى الصاروخ ، إلى بناء جيش مصر القوى الذى يعد أقوى جيش فى المنطقه ، بل من أقوى جيوش العالم .

كان جمال عبد الناصر هو الشعب ، هو مصدر كل السلطات ، وأى نقد لسلوكه ، أو أختلاف مع رؤيته ، يعتبره أنصاره نقص فى الولاء ، وضعف فى الوطنيه .. الحريه لجمال عبد الناصر وحده ، والنقد يصدر من جانبه فحسب ، ولايجوز لأحد غيره الأعتراض أو أبداء الرأى ، إنه الزعيم الأوحد والرئيس المخلص ، ومبعوث العنايه الإلهيه ، والقائد والمعلم والملهم ، الذى يعرف وحده مصالح الناس ، يعرفها أفضل منهم لأنهم جهله قصر لايعرفون الصواب من الخطأ ، أو يفرقون بين الحق والباطل ، يتعامل مع معارضيه بالمعتقلات والسجون والقهر والتعذيب .

حتى كان يوم 5 يونيو 1967 ، فى مثل هذا اليوم من 53 سنه ، فقنا على كابوس رهيب ... فقنا على الحقيقه المره ، لقد دمر سلاحنا الجوى فى صباح هذا اليوم ، ودمرت قواتنا الأرضيه فى اليوم التالى ، وأحتلت سيناء بالكامل فى اليوم الثالث ، وفقدنا 10 ألاف جندى و15 ألف جريح ومصاب ومشوه ، وتم تدمير 85% من سلاح الجيش بالكامل الذى دفع فيه الشعب " دم قلبه " ، ولم يستطع جيشنا القوى الذى لايقهر أن يصمد أمام إسرائيل 72 ساعه ، وللأسف قمنا بدفع " دم قلبنا " مرة أخرى من أموال وشهداء وتضحيات لأسترداد الأرض وأزالة آثار العدوان .

لم تكن هزيمة 5 يونيو 1967 ، التى تمر ذكراها هذا اليوم ، مجرد هزيمه عسكريه ، ولكنها كانت هزيمه شامله ، ومقدمه لكافة الهزائم التى نعانى من أثارها حتى اليوم ، هزيمه كشفت وعرت فساد الأنظمه وسوءات الحكم والأنظمه الديكتاتوريه من أنعدام الحريه وعدم أحترام حقوق الأنسان . فقد قام نظام حكم جمال عبد الناصر على القضاء على حرية الصحافه والإعلام ، والقضاء على المعارضه ، وأقامة المجالس النيابيه ، والكيانات السياسيه للتأييد والتصفيق بدلا من المسائله والمحاسبه ، بحجة حماية مكتسبات الثوره من أعدائها .

مات جمال عبد الناصر مخلفا وراءه مدرسة أفعل وأبنى كل حاجه إلا الديمقراطيه والحريه والشفافيه واحترام حقوق الأنسان .

هل هناك أمل فى أن نبحث ونعى الدرس ، وفاء للدماء التى أهدرت والتضحيات التى قدمت بسخاء ، إن أثمن ما خلفه لنا التاريخ هو نكسة وهزيمة 5 يونيو 1967 ، إذ أنها خطت بالدماء والتضحيات ، وعلينا تعلم الدرس وأستخلاص العبر من هزائمنا وأنتصاراتنا .

فهل نحن تعلمنا الدرس من نكسة 5 يونيو 1967 ، أم أنه قذف بها الى صناديق القمامه ، ولكى نكون فى أنتظار نكسه أخرى حتى نتعلم منها ؟؟؟؟؟