في مثل هذا اليوم من سنة 1511 للشهداء ( 31 من مايو 1795م )، تنيَّح الأرخن العظيم والمحسن الكريم المعلم إبراهيم الجوهري. كان والده يُدعى يوسف وكان يعمل في الحياكة بقليوب. رباه والده على التقوى، وتعلم إبراهيم الكتابة والحساب في كُتَّاب البلدة، فكان ينسخ الكتب الدينية ويقدمها للبابا يوأنس الثامن عشر البطريرك السابع بعد المائة، الذي سر من غيرته وتقواه، فقربه إليه وباركه. بدأ حياته كاتباً لدى أحد أمراء المماليك. توسط له البابا لدى المعلم

رزق رئيس كتاب على بك الكبير فاتخذه كاتباً خاصاً له، ظل هكذا حتى آخر أيام على بك الذي ألحقه بخدمته. ولما تولى محمد بك أبو الذهب مشيخة البلاد، اعتزل المعلم رزق وحل محله المعلم إبراهيم، فابتدأ نجمه يسطع في سماء مصر، حتى صار رئيس كُتَّاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك، وهي تعادل رتبة رئيس الوزراء حالياً. وزاده هذا المركز وداعة واتضاعاً وسخاءً وإحساناً حتى جذب إليه القلوب. وتزوج إبراهيم من سيدة تقية عاونته في أعمال البر والإحسان وتعمير بيوت العبادة، رُزق منها بولد اسمه يوسف وابنة اسمها دميانة.استمر إبراهيم في رئاسة الدواوين حتى حدث انقلاب في هيئة الحكام وحضر لمصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي، فقاتل إبراهيم بك ومراد بك، فاضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما المعلم إبراهيم وبعض الأمراء وكُتَّابهم. نهب قبطان قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، ونهب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته.عاد إبراهيم بك ومراد بك في اليوم السابع من أغسطس سنة 1791م ومعهما المعلم إبراهيم. كان إبراهيم الجوهري محبوباً من السلطات ومن الشعب حتى دُعي " سلطان القبط

". قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: " إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة، ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه. كان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات. ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه. وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال ". قال عنه الأنبا يوساب الأبح أسقف جرجا وأخميم: " إنه كان محباً لكل الطوائف يسالم الكل ويحب الجميع ويقضى حاجاتهم ولا يميز واحداً عن الآخر في قضاء الحق ". وخلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة، كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها، أهمها فرمان بناء كنيسة مار مرقس بالأزبكية. كما قدم الكثير من أمواله أوقافاً للكنائس والأديرة، بلغت مائتين وثلاثين وقفية. كما اهتم بنسخ الكتب الكنسية على حسابه

الخاص وتقديمها للكنائس، وحدث أن اشتكى أخوه جرجس من بعض الشبان أهانوه في الطريق، سائلاً إياه أن يتصرف معهم، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم وفي اليوم التالي وجد جرجس احتراماً من نفس الشبان، وعند سؤاله له، أجابه أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن كلام الشر.عاد إبراهيم مرة بعد صلاة قداس عيد القيامة ليجد أنوار بيته مطفأة كلها وأخبرته زوجته أنه قد حضرت لديها زوجة أحد السجناء الأقباط ومعها أولادها وكانوا في حاجة إلى كساء وطعام وذهبت معها إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في إطلاق سراح السجين، ولم يكتف المعلم إبراهيم بهذا بل ذهب واستدعى السجين وأكرمه وقدم له عملاً، فأبى وقال: " إن لي صديقاً أحوج منى بهذا العمل "، ففرح المعلم إبراهيم لشهامته، ووفر فرصة عمل لصديقه أيضاً. وبعد حياة حافلة بالأعمال الجليلة انتقل من هذا العالم فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك وشارك في جنازته، ورثاه البابا يوأنس، ودُفن في مقبرة خاصة بجوار كنيسة الشهيد مار جرجس بمصر القديمة.بركة صلواته فلتكن معنا. ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين