سليمان شفيق
(14 نوفمبر 1934 - 5 مايو 2020)
توفي مساء الثلاثاء، الشيخ محمد محمود الطبلاوي نقيب قراء جمهورية مصر العربية، عن عمر يناهز الـ86 عاما، بعد صراع مع المرض.

أكد محمد الساعاتي المتحدث الرسمي لنقابة القراء أن وفاة الشيخ محمد محمود الطبلاوي جاءت طبيعية ولا صحة لما تردد على الإطلاق بأن وفاته كانت بسبب فيروس كورونا.

وروى ياسر الطبلاوي -المحامي ونجل شقيقة الفقيد الراحل- أن الشيخ الطبلاوي كان يتناول الإفطار مع الأسرة وسط جو كله سعادة وبهجة، حتى فاجأته أزمة اضطررنا بسببها إلى استدعاء الطبيب المعالج له الدكتور محمد رمضان الذي قام بالكشف عليه ليؤكد وفاته.

لشيخ محمد محمود الطبلاوي قارئ قرآن مصري ويعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد حي ميت عقبة التابع لمحافظة الجيزة، وتعود أصوله إلى محافظتي الشرقية والمنوفية، تزوج مبكراً في سن السادسة عشرة من عمره، قرأ القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة.

من مشايخه الشيخ عبد الفتاح القاضي والشيخ أحمد مرعي والشيخ رزق خليل حبة والشيخ محمود حافظ برانق والشيخ عبد الحميد المسيرى.

كشف إبراهيم الطبلاوى، نجل الشيخ محمد محمود الطبلاوى، تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة نقيب قراء مصر :قائلًا إن الشيخ الطبلاوى اعتكف لأكثر من عام يقرأ ويختم القرآن.، وواصل: "توفى قبل الإفطار مباشرة، وهو صائم.. لقد أوصانا بتقوى الله، وحسن الخاتمة".

وحول وجود وصية للشيخ الطبلاوي قبل وفاته: قال:" كان يوصينا دائما بتقوى الله وتحدث عن كورونا وأن نتقى الله حتى يرفع الله البلاء ويعفو عنا".
وقال إبراهيم الطبلاوى، نجل الشيخ محمد محمود الطبلاوى، إن العزاء سيقتصر على المقابر.. ولن يقام عزاء له بسبب ظروف كورونا".
واختتم حديثه قائلا:" نطلب من الناس تدعيله بالرحمة والمغفرة".

وشيع المئات، جثمان الشيخ محمد محمود الطبلاوى شيخ المقرئين ونقيب القراء اليوم، من منزله في العجوزة إلى مقابر الأسرة في البساتين.

وعندما يذكر اسمه، يستدعى ذهنك تلقائيًا صورة صاحب الأسلوب المميز، الذى جعله يتربع على عرش المقرئين قرابة الستين عاما، الشيخ محمد محمود الطبلاوى شيخ المقرئين ونقيب القراء، حفر لنفسه طريقًا مميزًا جعله يستحق الوصف الذى أطلقه عليه الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى، عندما قال عنه "آخر حبات مسبحة القراء العظماء".
 
ابن قرية ميت عقبة بمحافظة الجيزة، كان له مشوار طويل فى هذا المجال، بدأه بحفظ القرآن وهو فى العاشرة من عمره، ثم مقرئا فى بعض المناسبات الدينية والاجتماعية، ثم واحدا من أهم القراء في تاريخ مصر.

الشيخ الطبلاوى الذى فقدناه والأستاذ سلامة
والأرزاق المقسومة:
كتب عنه الباحث الدكتور كمال مغيث :

(ظهر الشيخ الطبلاوى على مستوى الإذاعة ليحتل مكانتة المرموقة سريعا فى عالم التلاوة، طبعا لن ينتظر أحد أبدا صوتا فيه تلك العجائبية الربانية النادرة كصوت الشيخ محمد رفعت، وكان الناس قد تشبعوا من حرفنة الفذ مصطفى اسماعيل وقدرته على أن يتلاعب بأسماع الناس متنقلا بمهارة فائقة بين القراءات والمقامات، حتى ليخرجهم عن شعورهم وما ينبغى لمستمعى القرآن من الإنصات والوقار والخشوع، كما إمتلأ الناس بقدرة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد على أن يخلب ألباب مستمعيه بصوته الرائق المسترسل والمنساب كغدير الماء الصافى،

فى نفس الوقت الذى لم ينجح الشيخ الطبيب أحمد نعينع – رغم جمال صوته- فى منافسة الكبار، لشعور الناس أنه القارئ الخاص للسادات من ناحية وفقر قدراته اللحنية من جهة أخرى، ووقوفه الحائر بين مدرستى التجويد والترتيل ورتابتة تلاوته إذ لا يأت بجديد بعد الدقائق الخمس الأولى منها، وربما لنوع من التعالى فرضه هوعلى الناس باعتباره "المقرئ الطبيب"

ولم يتقبل الناس طريقة ولا أصوات قراء القرآن السعوديين، لبداوتها وخشونتها وخنافتها وفقرها اللحنى، ومناصبتها العداء المقيت لمدرسة التلاوة المصرية، رغم ما بذل من أموال وجهود لفرضها على الذائقة المصرية، إذ كيف تتقبل الذائقة التى صنعت سيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم وصالح عبد الحى وزكريا احمد والسنباطى والموجى وبليغ، هذه التلاوة التى تخلو من الشجن والجمال واحترام المقامات الموسيقية

فكان من الطبيعى لكل تلك الأسباب أن يحتل صوت الشيخ الطبلاوى تلك المكانة المرموقة، فهو صوت فلاح مصرى عميق ومتواضع وواثق وخاشع، ومتميز وصاحب مدرسة متفردة، لا يميل للاستعراض ولا للمبالغة فى العرب والحليات الصوتية وفى نفس الوقت فهو صوت قوى عريض فخم يشبه"خط الثلث" سلطان خطوط الكتابة العربية

وأعود للأستاذ سلامة  معلم الطبلاوي – مدرس التجويد – الذى كان فقيرا إلى حد الغلب، كثير الأولاد.. طيبا إلى حد السذاجة، وكانت مرتباتنا تتراوح بين الاربعين والستين جنيها، ومع هذا كان قانعا وراضيا وابن نكتة، سألته عن حكاية الشيخ الطبلاوى، فقال: بلدياتى من قرية برقاش – جيزة، وأنا قارئ قرآن بمسجد القرية وأقرأ بعد صلاة المغرب ربعا أو ربعين، نظير مكافأة تبلغ ثلاثين جنيها من وزارة الأوقاف، والشيخ الطبلاوى عامل فى مصنع الشركة الشرقية للدخان بالجيزة، وكان مواظبا على أداء الفروض فى نفس المسجد، طلب منى ان أعلمه أحكام التلاوة، لأنه قد تقدم للاعتماد بالإذاعة مرات عديدة فلم يوفق رغم انه مقرئ معروف فى الجيزة كلها، ولأنه يحرم على حاملى القرآن منعه عن الناس ولا حتى تقاضى أجر عنه – إلا الجودة- رحت أعلمه وللحق كان ذكيا فطنا حفيظا، وسرعان ماعرفت أنه أخيرا قد تقدم للجنة الاستماع بالإذاعة فقبلته، وسرعان ماذاع صيته وأصبح يتقاضى "عشرة آلاف جنيها" فى الليلة، فهدم الدار القديمة وحولها إلى فيلا كبيرة، وأصبح يركب المرسيدس السوداء آخر موديل بسائقه الخاص

فسألته هل مازال الشيخ يحفظ الود؟ فقال طبعا، فهو يرسل إلى بيتى خروفا مذبوحا فى كل عيد أضحى وفطر ومع بداية كل شهر رمضان، وإذا لمحنى ماشيا يصر على اصطحابى بسيارته المرسيدس إلى حيث أريد

نظرت إلى الأستاذ سلامة سعيدا وملتذا بكوب الشاى الذى عزمته عليه، وابتسمت وأنا اتذكر صوت محمود الشريف يغنى من كلمات عبد الفتاح مصطفى: "الدنيا أرزاق قسمها الخلاق لابجهدك تلقاه ولا بعرق وخناق.. سبحان الرزاق" ...... يسعد أوقاتكم)