كمال زاخر
2 ـ المقدمة
يدعونا الكاتب مع السطر الأول إلى الرجوع إلى الأصول الأولى للتقليد الليتورجى كما عرفته ومارسته الكنيسة الأولى، "لأن الآباء الذين كتبوا فى علم اللاهوت الإفخاريستى ـ أى علاقة الشكر (الإفخارستيا) بطبيعة الله (اللاهوت) ـ كانوا يمارسونه بتقوى وورع شديدين بل بشغف وتأمل وعبادة صادقة".

ويرد الغموض وعدم الفهم الذى اصاب الليتورجيا ـ خدمة الصلاة ـ إلى اختلاف اللغة وعدم فهم الترجمة الصحيحة للمعانى القديمة أو خروج مضمون الصلوات القديمة عن المألوف العام بسبب تغير البيئة والمعرفة والعادات" بحسب تعبير الكاتب.

وعلى الرغم من القيود التى وضعتها الكنيسة بعد عصر المجامع، والتى حجمت "الإنطلاق التأملى الحر فى الصلاة" تجنباً لأن تتسلل الهرطقات اليها، "فالملء الروحى للكنيسة بسبب الإفخارستيا وليتورجيتها لا يزال يفيض بسخاء فيضاً سرياً سماوياً على المؤمنين بسبب الممارسة العملية وتذوق الشعب للأسرار بروح الإيمان".

ويشير الكاتب إلى أن علماء الغرب سبقونا فى دراسة ليتورجيتنا بتدقيق، لكننا نسعى هنا إلى أن نجمع بين دقة العلم وفحص التاريخ وبين فيض الروح ومجرى التقليد، لنلحق الكنائس التقليدية الغربية والشرقية التى سبقتنا فى هذا المضمار منذ القرن السابع عشر.

وقد انتبهت الكنيسة اليونانية والكنيسة الروسية لحاجتهما الى نهضة دراسية مماثلة لليتورجيا والطقوس الكنسية على غرار الكنيسة الغربية، مع حلول القرن التاسع عشر، "وبدأت الدراسات ضعيفة تتبع الطرق المدرسية والرمزية وتنحصر فى التاريخ، اعقبتها نهضة أخرى لاهوتية وتبعت هذه النهضة الدراسية اللاهوتية نهضة فى العبادة".

ويرصد الكاتب أن القرن التاسع عشر رغم احتشاده بالدراسات التاريخية لليتورجيا إلا أنه لم ينتبه إلى "التقليد الليتورجى"، ويستطرد "ولكن ببزوغ القرن العشرين بدأت حركة انبعاث فى الوعى الكنسى عموماً لدى كل علماء الغرب والشرق ما عدا مصر. وهذه الحركة شملت الوعى الليتورجى معها بالضروة، فدخلت الكنيسة في عصر تفهم كامل لقيمتها اللاهوتية على كل المستويات وخاصة الليتورجية منها، لا بصفتها جماعة مؤمنين وحسب بل بصفتها جسد الرب الحي."

ويصل إلى نتيجة مؤداها "ان أعظم ما وصل إليه اللاهوت الليتورجى فى الكنيسة عامة شرقاً وغرباً هو أن المسيحية ليست عقائد وحسب، بل هى أيضاً وقبل ذلك فعل وعمل وصلاة وخدمة شعبية روحية عميقة حيَّة ... ونتيجة لهذا يكون من الرائع حقاً أن تصبح العبادة مدخلاً لفهم الكنيسة ، كما تصبح الدراسة الكنسية مدخلاً للعبادة على قدم المساواة، على أن تكون العبادة هى شركة كل شعب الله فى الخدمة الإلهية على مستوى الملء الروحى حيث تبلغ الكنيسة قصدها الإنجيلى الحقيقي، أى إلى ملء قامة المسيح بصفتها جسده الحى".

ـ ما هو علم اللاهوت الليتورجى؟
الليتورجيا بحسب الكاتب "هى الخدمة الإلهية العملية التى تقوم بها الكنيسة بكل كيانها الكهنوتى والشعبى".

وعلم اللاهوت "هو فهم كل ما يخص طبيعة الله الفعَّالة فى الكنيسة وفى الإنسان عامة، فى عبارات إيمانية قانونية".

وبناء عليه يمكن تعريف علم اللاهوت الليتورجى بأنه "شرح الليتورجيا شرحاً إيمانياً يوضح معنى الطقوس والصلوات فى العبادة ليعطيها قيمتها الروحية الصحيحة" ويضيف "هو رفع هذه المفهومات وهذه الإيضاحات إلى مستوى الإيمان والعقيدة التى تربطنا بطبيعة الله".

"وهكذا يصبح علم اللاهوت الليتورجى واسطة لمعرفة ماهية الكنيسة أولاً، ثم واسطة أيضاً لاستعلان الكنيسة للعالم كله".

وفى تفاعل مع الواقع بعيداً عن التنظير يؤكد الكاتب "أن كل دراسة لاهوتية حية للأسرار سوف تدفع الإكليروس والشعب إلى الإقبال على ممارسة الأسرار بإيمان حار وثقة شديدة وحب وشغف، من شأنه أن يجعل التقليد السرائرى خلاصاً وحياة بالحق، كما وصفه الرب تماماً (من آمن واعتمد خلص ـ مر 16 : 16)، و (من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير ـ يو 6 : 54)"

ومازلنا مع عرض موجز للمقدمة نتتبعه لاحقاً.