ليس هناك شيء أشد قسوة من ظروف الحياة حينما تكون سببًا فى إجبار صبى صغير على البحث عن لقمة العيش، خاصة عندما تتعلق تلك الظروف بالخلافات الزوجية، هنا تكون بدهيا بداية لتشرد الأبناء.. لكن ما حدث مع «يوسف» طالب الثانوى كان مختلفًا تماما.

رفض هذا الصبى البالغ من العمر 17 عاما الانجراف فى عالم الضياع، وقرر أن يرتدى ثوب الرجولة منذ صغره، وأن يبحث عن فرصة عمل تعينه على الإنفاق على دراسته واستكمال مسيرة حياته بعد انفصال والديه..

منذ أن دبت الخلافات بين الزوجين وشاء القدر أن يكتب طلاقهما.. وهنا قرر «يوسف» ابنهم ألا يستسلم لضربات الحياة الموجعة، وأن يستكمل مسيرة حياته رغم كل الظروف القاسية التى يعيشها بعد طلاق والديه.. خاصة بعد أن قرر كل منهما الزواج واستكمال حياته منفردا دون مراعاة هذا الصبى المسكين..

فعاش «يوسف» مع جدته بأحد المنازل المتواضعة، وقرر أن يعمل ويكد ويتعب لإثبات ذاته، واستكمل دراسته بعد التحاقه بالثانوية الأزهرية.. لكن وسط كل هذه الانتصارات التى حققها هذا الفتى الصغير.. كان هناك شيطان من شياطين الإنس يراقب تصرفاته بحقد فى الوقت الذى كان جميع أهالى المنطقة بالكامل يكنون كل العطف والمودة لهذا الصبى المكافح المهذب .. لم يجد «يوسف» أمامه فرصة لأن يحصل من خلالها على مصروفاته التى يحتاجها فى دراسته سوى بالعمل على «توك توك».. رغم صغر سنه، رافضا طلب المال من أسرته التى تخلت عنه، حتى وإن كانت ظروف الدراسة فى الثانوية الأزهرية تستدعى التفرغ والتركيز فى المذاكرة للحصول على أعلى مجموع فهو لا يعرف لهذه الرفاهية طريقًا.. فكيف لا يسعى لطلب الرزق ووالده المسئول الوحيد عن توفير متطلباته مشغولًا بحياته وأسرته الجديدة بعيدا عنه؟.

لكن فجأة اختفى يوسف وكأنما تبخر!.
ثلاثة أيام كاملة كانت كفيلة أن تثير الذعر بين أهالى المنطقة بالكامل.. الجميع كان يسأل أين اختفى هذا الصبى الصغير؟.. وهل ما يتردد بشأن قتله حقيقيًا أم لا؟.. وأى يد آثمة يمكن أن تمتد بالأذى لهذا الفتى الخلوق؟.. كانت كلها تساؤلات استمرت قرابة الـ 72 ساعة تلك الفترة قضاها فريق من رجال الشرطة بقطاع الأمن العام ومباحث الجيزة فى البحث، حسب تعليمات اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، لكشف لغز اختفاء «يوسف».. فقد تأكدت روايات وأقاويل أهالى المنطقة عندما عثرت الأجهزة الأمنية على جثة الشاب الصغير طافية فى إحدى الترع المجاورة ومكبل اليدين والقدمين.

واستمعت النيابة إلى أقوال جدة المجنى عليه والتى قالت إن «يوسف» ترك هاتفه المحمول بعد صلاة العشاء.. ثم خرج بالتوك توك لشراء بعض المستلزمات إلا أنه لم يعد ولقلقها عليه، خرجت للسؤال عنه وسط سائقى «التوك توك» ثم عادت مرة أخرى إلى المنزل عقب فشلها فى الوصول إلى معلومة إلى أن تلقت الخبر المشئوم .

وهنا بدأت خيوط الجريمة تظهر وتؤكد أن «المجنى عليه» تعرض لواقعة اعتداء بهدف سرقة «التوك توك» الذى كان يستقله وبدأت رحلة البحث عن الجناة من خلال فريق بحث أمر به اللواء رضا العمدة مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة وكانت إحدى الكاميرات بأحد المحال التجارية الواقعة على الطريق العمومي،قد قادت فريق البحث بإشراف اللواء محمد عبد التواب نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة للتوصل إلى مرتكبى الواقعة، بعد أن أظهرت ملامح أحد المتهمين وهو يستقل «توك توك» المجنى عليه.. وهنا تبين أن المتهمين وهما اثنان خططا لارتكاب الواقعة، منذ أن قرر «يوسف» استلام «توك توك» جديد من خاله والذى يمتلك محلا بمركز الصف.. وقد استدرجه أحدهما ليلًا بعد صلاة العشاء إلى طريق مجاور بترعة الجزيرة الشقرة بحجة توصيلهما إلا أنهما أمراه بترك التوك توك وفى إثناء محاولتهما إجباره على النزول من «التوك توك» حاول يوسف مقاومتهما والهروب منهما، إلا أنهما تمكنا من الهجوم عليه وتكبيل يديه وقدميه والتعدى عليه ضربًا حتى سقط مغشيًا على الأرض، ثم ألقياه فى مياه الترعة وفرا هاربين.

وقد كشفت التحقيقات بإشراف العميدين مدحت فارس مدير المباحث الجنائية بالجيزة وعبد الرحمن أبو ضيف رئيس مباحث قطاع جنوب الجيزة، مع المتهمين عقب ضبطهما، أنهما سبق اتهامهما فى وقائع سرقة ومخدرات وأنهما باعا التوك توك إلى أحد السماسرة بمنطقة حلوان بمبلغ 20 ألف جنيه.. حيث أمرت النيابة بسرعة ضبطه وإحضاره كمتهم ثالثً فى الواقعة.. وقررت حبس المتهمين على ذمة التحقيقات، وصرحت بدفن جثة المجنى عليه.