مفيد فوزي
قد تصل الشفافية بينى وبين قارئ لبيب إلى الحد الذى أصارحه فيه بحيرتى ككاتب، لقد اعتدت أن أختار موضوعاً ما أعالجه على طريقتى، وربما تتكشف نقاط لم تكن فى الحسبان أثناء الكتابة، تلك التى يطلق عليها يوسف إدريس «من بواطن الأمور»، وحيرة أى كاتب واردة عندما يشرع فى الإبحار فى الكتابة، حيث يصبح الورق الأبيض تحدياً للقلم، ويعيش لهذا الإحساس من «أخلصوا» للكتابة فوق الورق، وهأنذا أكشف عن حيرتى!.

العالم كله مشغول بالبحث عن «اللقاح المضاد» لكورونا، وتتجه أنظار الكون إلى منظمة الصحة العالمية، وبعد أن كانت هذه المؤسسة محل الاحترام والتبجيل والثقة، طالها التشكيك والتضليل! صرنا ننظر إلى تقاريرها بالكثير من الريبة، فلم تعد المرجعية! فلماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!

وأظن أن الأسئلة المثارة حول الفيروس أضعاف أضعاف الإجابات، لقد امتلأت أسواق الاجتهادات للكوفيد 19 وتاه اليقين وسط ضبابيات سماء الأزمة، هل الفيروس خضع للتخليق فى المعمل الأمريكى لضرب اقتصاد الصين، و«من أطلق العفريب عجز عن صرفه»؟! هل هو صنف من البكتيريا من وراء عقول العلماء «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»؟ لماذا صار «الغامض» بسلامته عابرا للقارات وضرب اقتصاد الدنيا، وكلنا بلا استثناء نمارس لعبة التحليل بلا جدوى.

فلماذا «أستمر فى سرد بلا طائل؟».

وجاءت صيحات يطبقها العالم أجمع «عميانى» لأنها الملاذ الوحيد للنجاة. خليك فى البيت، الزموا بيوتكم، تباعدوا بدنيًا، لا تصافحوا بعض، لا عناق ولا قبلات محبة أو شوق، اغسلوا أيديكم بالماء والصابون، ضعوا الكمامات على أنوفكم لأن الفيروس يتسرب من الجهاز التنفسى ويبحث عن خلية يقيم فيها، والعزل الاضطرارى ضرورى، فإذا كان الاحتراز كذلك، فلماذا يحصد الغادر أرواح الأطقم الطبية شديدة الحذر والاحتراس؟ فماذا نفعل؟ هل نعقم الهواء الذى نستنشقه مثلما دهنا الهوا دوكو؟ وهل تتصحر عواطفنا بسبب التصخر فى الاحتراز؟ لكن بيتك- مع الحذر- هو قلعتك، وإلى متى أظل معتقلاً بإرادتى، لماذا أستمر فى سرد بلا طائل، والإجابات الشافية بعيدة المنال؟

اقتصاد العالم أصابته «كورونا الكساد».

والدول- معظم الدول- تراجع اقتصادها بدرجة مخيفة، واشتدت نسبة بطالتها التى «تخلقت» من الفيروس، وأسواق العالم يحتويها الصمت والمطاعم والمحال العامة والمولات مغلقة، والطائرات لا تطير حتى إشعار آخر، والسياحة فى خبر كان، والمدارس والجامعات والمؤسسات ON LINE، وقد سمحت مصر بأن تفتح الشباك لا الباب، بمعنى أنها سمحت لبعض الهيئات بأن تمارس نشاطها بنفس الشروط الاحترازية، لكن قلة مستخفة ومستهترة لم تراعِ القواعد الصحية، كان «الذعر» من كورونا ضرورياً حتى لا تتضاعف نسب الإصابة، ولكن سرادق عزاء لشخصية عربية إعلامية عزيزة على مصر، كان كامل العدد! لا تباعد بدنيا، والمصافحة باليدين كما تتطلب أمور العزاء الواجبة، وكان السرادق كنموذج لواجب اجتماعى يصعب التخلف عنه، ولا يجوز أن يكون on line، هل أصيح فى المعزين: فى البلد فيروس مُعدى يا ناس، وسيضيع صوتى فى الهواء، ولماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!.

يثبت لى كل يوم أن «المجاملات الاجتماعية» فوق القواعد الاحترازية التى تطالب الدولة مواطنيها باتباعها! يثبت لى أن العادات النفسية والذهنية المصرية لها قوة السيطرة على سلوكيات المصريين.

إنها أكبر من قواعد الدولة الاحترازية، فالأفراح تتم وسرادقات العزاء تتم، حتى مناسبات «الطهور» تتم، وكل مترو ينحشر الناس فيه كالسردين يرفع أرقام الإصابات وبالتالى أرقام الوفيات.

ولا أستطيع أن أدعى أنى حريف فى قضايا الاقتصاد، فمن البديهى أن تدور عجلة الاقتصاد وإلا سقطنا فى المحظور، وإذا وافقت الرأى الرسمى الذى يعيد عجلة الاقتصاد للدوران، فهل أضمن وأراهن على وعى الناس الاحترازى؟ الإجابة: لا أضمن ولا أراهن!.

فلماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!

إن مصادر دخل الدولة من السياحة والتصدير، وكلاهما فى حالة سكون، وما زال السفر للخارج ممنوعاً، واستمرار هذه الحالة يصل بنا إلى كارثة، ولابد أن الدولة معنية بهذا الأمر المصيرى، ولكن السؤال: هل نملك كشعب أن نتعايش مع الكورونا؟ إنه أخطر سؤال بدأت الدولة تجيب عنه، ربما أخذت الدولة دروساً وتحولت إلى قواعد فى السلوك، فهل نضمن أن المصريين سوف يبالون بأن الفيروس لم يرحل وأن العودة لحياتهم العادية هو الجنون ذاته؟ وهل نبدأ الدرس من أوله؟ هل تتم عودة الحياة العادية على درجات؟ إن من عيوب المصريين التى ذكرها عالم الاجتماع د. سيد عويس: «النفس القصير فى مواجهة الأزمات»، لا ينبغى أن نقلد الدول التى أعادت الحياة العادية فربما كانت نسبة الوعى لديهم مرتفعة وكان الدرس- درس الفيروس- أليماً؟ إنها معادلة صعبة، فالحياة لا تستقيم بهذا الحظر الطويل، وفى نفس الوقت- وفى غياب اللقاح المضاد- سترتفع نسب الإصابة، فهل يظل العلاج سراً سرمدياً؟ لا أعرف، لا أستطيع أن أتكهن وإن ظل الأمل بعيداً وقريباً!!.

فلماذا أستمر فى سرد لا طائل له؟!.

هل «حيرتى» مشروعة؟!


أليست حيرة كاتب يخاف على مستقبل أمَّة ويخشى فراق الأَحِبَّة بسبب خصال موروثة، ويحلم بكتالوج جديد لحياتنا الآتية؟
نقلا عن المصرى اليوم