من كل حدب وصوب يتوافد الآلاف من المصريين يومياً، لزيارة كنيسة شهداء ليبيا بقرية العور التي تبعد عن مركز سمالوط ما يقرب من عشرة كيلومتر، ورغم إنني إبن مركز سمالوط وأيضاً العلاقة التي تربطني بأهل قرية العور، ولكن بسبب ظروف سفري إلى الخارج وغيابي فترة طويلة لم اري فيها كل ما تم من تشييد كنيسة شهداء العور، ومراسم نقل رفات الشهداء اليها ، فكان لابد من القيام بالزيارة مع أسرتي وعلى

أثر ذلك نصحني البعض بأن تكون الزيارة في وقت متأخر من الليل بسبب الزحام الشديد نهاراً، وفي تمام الساعة التاسعة ليلاً بدأت التحرك إلى الكنيسة، وفي الطريق الذي يربط مركز سمالوط بقرية العور، كانت السيارات تتحرك ذهاباً واياباً لتعلن عن وجود حياة تسكن تلك المنطقة التي في الغالب كانت تقل فيها حركة المواصلات في تلك الفترات سابقاً، ومن بعيد هناك مناراة الكنيسة وأضوائها التي تخترق ظلمات الليل الذي يعانق تلك المنطقة، ومن بعيد ايضاً تري أنور منارة الكنيسة وكأنه جزء من سماء بداخلها القمر في ليلة البدر ويحيطها عناقيد وسلاسل من النجوم المضيئة ، ورويداً رويداً وكلما أقتربنا من مكان الكنيسة تجد المصريين ابناء المنطقة يجالسون نسمات الهواء امام منازلهم الريفية، وفي عيونهم شوق الترحاب بكل الوافدين هنا الكرم الصعيدي والاصالة الريفية، فأنت في ضيافتهم لانك في زيارة ليس لشهداء الكنيسة والسماء فقط،، بل لشهدائهم وأبنائهم الذين عاشروهم وجالسوهم وما بينهم من ذكريات عبر صدقات وشركات وتاريخ اجداد وأباء، وفي أثناء ذلك أسترجعت شريط من الزكريات مع أهل قرية العور التي كنت دائم التواجد بها كثيراً منذ سنوات وكان في هذا الشريط بعض الأشخاص الذين سطروا السطور الأولى من ملحمة البطولة لهؤلاء الشهداء،

وهو شيخ كهنة إيباراشية  سمالوط القمص إبراهيم استطفانوس الذي رحل منذ آيام والملقب بأبونا " إبراهيم العوري "، وفجاء وقفت السيارة أمام بوابة الكنيسة وتحرك أحد أفراد الأمن نحونا للترحاب بنا وطلب مننا الدخول بالسيارة إلى موقف السيارات بالجانب الخلفي ، وبالفعل توجهنا حسب تعليمات الأمن الي ذلك المكان ، وعند الدخول من البوابة الألكترونية الخارجية تحرك أحد افراد الأمن وبادر بالسلام الحار ذاكراً أسمي دون أن يكون لي أي معرفة أو علاقة سابقة به ، وعند دخولي الفناء الداخلي وجد نفسي أمام حركة تاريخ عملاقة تتكون من مبني فخم وضخم وقوي يستمد وجودة من عظمة حضارة وتاريخ الماضي البعيد، أعطي تعليمات ببناءة رئيس جمهورية أسمه عبد الفتاح السيسي سليل عظمة تلك الحضارة وأبن لذلك التاريخ، وقائد روحي عملاق وهو الأنبا بفنوتيوس أسقف إيباراشية سمالوط سليل وطنية الكنيسة المصرية التي هي إمتداد للحضارة والتاريخ المصري العظيم ، ورغم إن الوقت متأخر ليلا لكن ما زال المكان بداخله كثيراً من الوافدين ، تفرست جيداً في عظمة تشييد المكان والأعمال الهندسية التي به وأتخذت أنفاساً من الشهيق ووقفت في شموخ وكأني أقف أمام عظمة تاريخ  مصر في سفح الاهرامات ،

ورويداً رويداً زحفت إلى الداخل وكل خطوة أقف كثيراً لاستقرء شىء جديد في المكان أو في وجوه الوافدين ، وبعد قليل وجد نفسي أمام معرض مقتنيات الشهداء الذي تم إقامته منذ آيام وبه كل ما يخصهم من ملابس وخلافه بجانب الصندوق الخشبي الذي تم نقل فيه رفاتهم، وفجاءة حركة سريعة من الوافدين تتحرك بسرعة نحو أجساد الشهداء والكل يسأل ماذا حدث وجاءت الأجابة أن هناك معجزة حدثت لأحدهم داخل مزار الشهداء وقفت قليلاً في صمت حتي هدأت التحركات، ثم توجهت إلى مزار أجساد الشهداء لكي أتبارك منهم ، وفي الداخل وعند وصولي إلى الأجساد وجد نفسي أمام صور الشهداء الذي تفحصت صورهم جميعاً وكأني ألقي السلام عليهم فهم البسطاء الذين كان لا يسمع أحد أصواتهم في الأمس القريب ولكن خرج منطق إيمانهم الأن إلى كل المعمورة والمسكونة، جرعة روحية جردتني من كل الحاضر وجعلتني أتخلى عن كل شوائب ومقتنيات العالم وأتمني الأنطلاق بالروح حيث يوجد هؤلاء ، وأنتهيت من العناق الروحي معهم وخرجت إلى فناء الكنيسة ، حيث أستقبلني القس يوليوس شحاتة خادم الكنيسة والمكان إستقبال حار مع أسرتي، وهو هكذا من الصباح الباكر إلى منتصف الليل يستقبل الجميع ويعمل علي توفير سبل الراحة لهم، وبعد الحديث معه قليلاً أنا وأسرتي ذهبنا إلى الطابق العلوي لنشاهد الكنيسة ومذبح الصلاة ، وداخل المكان قالت زوجتي ما كل تلك العظمة فقلت لها الأنبا بفنوتيوس هو كلمة السر والجمال في ذلك المكان ، وهنا كانت نهاية زيارتي التي أستمرت ساعتان لكن أنطلقت بالروح في الكنيسة والوطن وكأنهم دقيقتان أو عقدان من الزمن.