محمد حسين يونس
عام 1972، نُشر كتاب نوال السعداوي ((المرأة والجنس)) طالبت فيه بمعيار موحدة لمفهوم الشرف لكل من النساء والرجال، وهجر الممارسات الاجتماعية التي تستغل الدين لتبرير اضطهاد المرأة.

تسبب الكتاب في رد فعل عنيف داخل المجتمع المصري خاصة لأنه جاء مع صعود الأصولية الدينية في البلاد.

فالأخوان المسلمين الذين فشلوا في إمتلاك الشارع الليبرالي في أربعينيات و خمسنيات القرن الماضي .. و هربوا إلي السعودية و الأردن في الستينيات ... أعطاهم ملوك النفط من وسع كيدا في عبد الناصر و قوميته العربية .. ليتحول هؤلاء إلي السوق العالمي .. يتاجرون .. و ينشرون مع بضاعتهم تعاليم الوهابية السعودية و التبشير بالخلافة الإسلامية .

مع وفاة عبد الناصر أصبح الطريق مفتوحا في ظل الرئيس المسلم لدولة مسلمة و حواريية ( عثمان أحمد عثمان) و الشيخ الوزير ..

و منذ ذلك التاريخ .. وحتي اليوم ..العمل جار علي جذب الشارع لحظيرة الوهابية و لم يتوقف دفق شلال الذهب في جيوب الفقهاء الازهريين و تجار الدين .. بحيث أصبح أكثر الاعمال التي تدر المكاسب والأرباح .

إمتلاك الأخوان للشارع المصرى خلال أربعة عقود تالية .. عمل يفوق قدراتهم التخطيطية أو الإستراتيجية أو التمويلية .. لقد سلموا أنفسهم للمخابرات السعودية المدعومة بالمخابرات الأمريكية .. التي رسمت لهم الدور

نواه صلبة من الكوادر الأساسية تربطها علاقات نسب و زواج ومصالح مالية ( الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية ) .. تحيطها دائرة أوسع من الكوادر الملتقطة .. من التعليم الأزهرى او النقابات .. أو الجامعات تقوم بأدوار تمكين الجماعة من مفاصل الدولة .. ثم هالة واسعه من المتعاطفين و المتعاطفات .. تحركهم إما رشاوى صغيرة ( مواد تموينية أو خدمات صحية و تعليمية) ..أو من أبناء المدارس الدينية المغيبة في الأرياف و المدن .. و يشترط علي الجميع إظهار الإنتماء أما بإطلاق اللحية للرجال .. أو تغطية الشعر للنساء .

البترو دولار بني الاف المساجد .. والمعاهد الدينية ..و إنتدب المئات من أساتذة الأزهر ليتعلموا خط إسلامي كان مهجورا يدعو للإرهاب و القتل و التدمير و مواجهة أصحاب الأديان الأخرى و الليبراليين بالعنف و التسلط ..

وهكذا نجح الأخوان خلال أربعة عقود عجاف من ( 1970 – 2010 ) .. بقتل بعض الرموز( فرج فودة ) و محاولة إغتيال أخرين ( نجيب محفوظ ) .. و في إمتلاك الشارع و أجهزة الإعلام .. و موظفي الإدارة .. و الجامعات و النقابات ..و أعداد واسعة من الضباط و القضاة .. و السيطرة علي الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطي .

كيف حدث هذا ...
عندما كان بمصر أميرات و هوانم ..كن النموذج و المثال لسيدات و أنسات الطبقة الوسطي .. و عندما زال زمنهن..إنتقلت القدوة لتصبح لخريجات الجامعات من طبيبات و صيدليات و مهندسات أو لنجوم المجتمع من الصحفيات و مذيعات التلفزيون أو الممثلات .

و مع تقديم مذهب الوهابية للمصريين ( علي أساس أنه صحيح الدين ) .. لم يكن الأمر صعب بالنسبة لساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية .. فهن في كل الظروف يزاولن نفس الطقوس و السلوك .. مهما تغيرت الأمور حولهن .. ولكن لتأمين عدم تأثير التلفزيون (الكافر ) عليهن أعطاهم الوعاظ السند الديني و جعل الرجال القيمون عليهن أكثر حرصا علي ألا يتغير هذا الواقع .

ثم قاد المشايخ حملة لا تتوقف علي رموز النموذج و المثل .. و كان للشيخ كشك جولات و صولات بهذا الخصوص ثم تلاة سيادة الشيخ الوزير .. و لم يسلم منهما حتي السيدة أم كلثوم

و حاصرت القرية المدينة .. تسللت ببطء حتي نهاية التسعينيات من خلال الدارسات الريفيات .. و بنات الأحياء الشعبية .. ليسود الزى القروى علي المدني .. و في بعض المراحل كانت الأنسات المعنيات يتم إغراؤهن بالمنح و الهدايا المتصلة بالمظهر .. ثم جاءت الضربة الكبرى بعد زلزال 1992عندما إستطاع الدعاة جعل بعض الممثلات ( بطرق مختلفة ) يعدلن من مظهرهن علي أساس أن الزلزال غضب من السماء بسبب المتبرجات الفاسقات .

لقد أنفق أكثر من بليون دولار لتغير سلوك السيدات القدوة ( الجامعيات ) و ( الممثلات ) و ( بعض الشخصيات العامة ) و مع تغير الزى تغير شكل الشارع المصرى ..و عاد لبدايات القرن التاسع عشر يذخر بتنويعات علي ( اللحية و الطرحة ) .
.
خلال الفترة حتي 2011 .. كانت معظم ساكنات المدن .. عدا جزر منعزلة في الزمالك و جاردن سيتي و مصر الجديدة .. غير سافرات .. و لا يفترقن عن الريفيات في مظهرهن .. لقد إنتقم الريف من المدينة و غزا نساءها .

الامر تم .. بسلاسة غريبة .. بحيث جعل البعض يتصور قوى سحرية .. لمن قاموا به .. و لكن هذا غير دقيق ..إنه فعل مدبر جيدا بواسطة مخابرات دول صديقة .. كانت تتصور أن الأخوان و السلفيين أكثر سلاسة في إنقيادهم .. من أصحاب المبادىء القومية و الوطنية .

بمعني أن الأخوان المسلمين لم يحققوا هدفهم و يلبسوا المصريات الطرح كما أرادوا في بداية أحداث يوليو 52 .. ولكنهم ركبوا الموجة القادمة من الشرق الصحراوى .. و جعلونا نتصور أن الطرح المنتشرة تعبيرا عن قوتهم في الشارع ..

السلفييون أيضا لم يحولوا إلا أعداد بسيطة من السيدات للعودة للبرقع بعدما خلعته هدى شعراوى 1923 فأغلب من تسربل بالسواد إعتاد هذا أثناء تواجده في مدن الجاز .

فالمصرية لم تغير من إسلوب إرتدائها لملابسها منذ قرن سواء في الريف أو في الأحياء الشعبية .. و لم تكن تحتاج لضغوط الرجال لكي تحافظ علي مظهرها التقليدى .. و نساء الطبقة المتوسطة في شريحتها الدنيا وجدن أن المظهر الجديد يوفر كثيرا من أموال المكياج و الكوافير ..و في شرائحها العليا تراوحن علي طرفي النقيض و إن ظلت سيدات الأحياء الارقي علي حالهن منذ الستينيات ..

خلال الثمانينات، تكونت مجموعات نسوية لمواجهة الأصولية الدينية. مثل (حركة المرأة الجديدة) في القاهرة، والتي ركزت على دراسة التاريخ النسوي للبلاد بهدف تحديد برنامجها لاتخاذ أخر ما توصلت له الحركة النسوية كنقطة انطلاق.

كما تشكلت منظمة أخرى وهي لجنة الدفاع عن النساء وحقوق الأسرة عام 1985. بهدف دعم حملة تعديل قانون الأحوال الشخصية... (( و جعل سن الزواج لا يقل عن 18 سنة و رفع سن الحضانة و السماح للزوجة بالسفر دون إذن زوجها بالأضافة لمنح الجنسية لأبناء الأم المصرية .. و إتاحة الخلع للزوجة التي تفشل في زواجها ..)) .

و استعادت هدى شعرواي مكانتَها مع تظاهرات يناير 2011 حيث رفعت صورها الأنسات المشاركات بكثافة غطت الميادين،وبدى كما لو كانت قد عادت الجمعيات التي تمثل هذا النهج إلى نشاطها

يقول البعض أنه أثناء إنتفاضة 25 يناير كانت بنات القاهرة النشطات في الميدان يهدفن إلي طرح تيار جديد بعيدا عن الحركة النسائية الرسمية المتجمدة تحت رئاسة سوزان مبارك ..وإدارة مشيرة خطاب

ويقال أن جمعيات مثل ( المرأة الجديدة ).. و (المرأة و الذاكرة ) .. و ( نهوض و تنمية المرأة ) .. كانت متواجدة في كل مراحل الأنتفاضة و أن هناك جمعيات أخرى ظهرت بعد يناير .. مثل (نظرة ) .. ( حريتي هي كرامتي ) ..بسبب الرغبة في إستكمال مسيرة التحرر التي صاحبت أحداث يناير 2011

و رغم أن أكثر من عاني من تواجدة في الميدان كانت السيدات و الأنسات بسبب مليشيات الحكومة التي كانت تتحرش بهن قصدا لبث الرعب في قلوبهن ..

إلا أن حضور النساء الكثيف ومشاركتهن الفعّالة أثناء الثورة كان لافتاً للانتباه في مجتمع ذكوري، تقليدي، يهمّش دور المرأة ويحرمها الكثير من حقوقها.

على الطرف الآخر، زاد نشاط الجناح النسائي لجماعة الإخوان المسلمين بشكل لافت أثناء و بعد هبة يناير حيث تابعن نشاطهن السياسيّ من خلال حزب (الحريّة والعدالة ) وخاض الحزب انتخابات برلمانية في يناير 2012 فحصد غالبية المقاعد و كونت عضواته أغلبية بين النساء هناك ( نكمل حديثنا باكر )