محمد حسين يونس
عام 1954 تمكن عبد الناصر من السلطة .. و قوبل ذلك بردود فعل مؤيدة و أخرى لا تتفق مع هذا النهج .. فعالجها بالعنف والإبعاد و المعتقلات و منها أن ((شاركت درية شفيق ومعها عدد من النساء في إضراب عن الطعام لعشرة أيام، اعتراضًا على لجنة إعداد الدستور التي لم تضم نساء )).

و مع ذلك من خلال دستور 1956 منحت الدولة للمرأة فيما منحت (للأخرين بشكل علوى) عددا من الحقوق ليست فقط ما يخص التعليم والعمل، ولكن أيضًا حق الانتخاب والترشح..كخطوة نهائية لمساواة الجنسين فيما عدا ما يتصل بالشرائع الدينية كالميراث و تعدد الزوجات .. و قوامة الرجال علي النساء .

و رغم هذا ففي عام 1957، بدأت درية شفيق إضرابا سياسيا أخر عن الطعام إعتراضا على ((الحكم الديكتاتوري للسلطات المصرية والتي تدفع البلاد نحو الإفلاس والفوضى)).

بكلمات أخرى مع حركة ضباط يوليو حدثت تغييرات في مسار خط كفاح المرأة.. ليخفت الصراع و الصياح وتصبح حقوقها جزءاً من مشروع وطني أتاح التعليم المجاني للجميع و العمل متساوى الأجر للجنسين من مختلف الطبقات .. و الفرصة لبذل الجهد الفردى من خلال جمعيات المجتمع المدني و إن إقتصر ذلك علي الأعمال الخيرية دون شبهه سياسية ..

وهكذا في عام 1966 وبأمر من الرئيس جمال عبد الناصر تمّ استبدال اسم ((الاتحاد النسائي)) بـ (( جمعية هدى شعرواي))

ثم تم تشكيل ((الإتحاد النسائي المصري)) الرسمي الذي أصبح المؤسسة الحكومية التي تشرف وترعى النشاط النسوي .

بمعني أخر في ستينيات القرن الماضي .. تم الإنسلاخ عن الحركة النسوية التي دامت من 1919 .. و جرى ترويض بنات الطبقة المتوسطة المشاركات فيها ليغردن ضمن الكورال الحكومي بما يتناسب مع سياسة الدولة .. و منحت المرأة من أعلي بواسطة الدستور و القانون .. كل ما كانت تحلم به و تصارع من أجله في بداية القرن .

و إن كان يعيب التنظيمات التي تأتي من رحم السلطة أن من يشغل مناصبها و يتولي أمرها في الأغلب الاعم من العناصرالنسوية الإنتهازية تلك التي ترشحت لمجلس الشعب و تولت مناصب وزارية .. و مثلت بلدها في الخارج ..و حصلت علي المكافئات و الإمتيازات مثلها مثل... العمال ذوى الياقات البيضاء .. و فلاحين الحكومة الذين لم تتلوث أقدامهم بطين الحقل .

عموما لقد تغير حال المراة ( في الطبقات الوسطي بكل شرائحها ) خلال ستينيات القرن الماضي بصورة إيجابية فقد إلتحقت في مراحل التعليم بكثافة و شمل هذا بنات الأرياف و البندر .. و أخرجت مهندسات و طبيبات .. و عالمات .. و صحفيات .. و محاميات .. ، كما عبّأت الدولة نساء الطبقة العاملة لتزويد قطاعها العام... وصمتت الأصوات النسوية ... إلا بالدعاء للريس و باقي الحكام .. حتي هزيمة 1967 .. لتخرج المرأة من عباءة المطالب الفئوية للمشاركة في الحراك الوطني

لقد نضجت المرأة (البرجوازية ) المصرية من خلال مشاركتها .. في الهم القومي ..ولدت مع حركة تحرير المرأة 1919.. و تطورت من خلال فترة التحول الليبرالية التالية .. و نالت حقوقها القانونية مع التحول الإجتماعي و السياسي الواسع الذى صاحب الستينيات

هذا يبدو مدهشا لقد سبقت الكثير من سيدات القوميات المختلفة بما في ذلك الأوربية و الأمريكية ....و لكنها في نفس الوقت لم تنل نفس الحقوق علي أرض الواقع ..

لقد كانت التقاليد .. أقوى من القانون .. لذلك ظلت المراة علي حالها في القرى و الاحياء الشعبية لا تتغير إلا قليلا بسبب التلفزيون الذى دخل حتي أصغر نجع ..و في المدن كانت الإختيارالثاني بعد الرجل عند شغل الوظائف أو الدرجات العلمية أو الإنتخاب للبرلمان .. أو توزيع التركة ..

ومواطن درجة ثانية في منازل الأسر ذات الأصول الريفية المحتفظة بقيمها و أفكارها دون تعديل .

و هكذا ظلت المراة دائما في حاجة لحماية .. في مواجهة عدوانية و شراسة مجتمع الرجال .. ليتحول كفاحها خلال الستينيات إلي سلسلة من المحاولات لإثبات الذات في مواجهة المجتمع الذكورى .. نستطيع أن نذكر الكثير من الحالات التي عافرت فيها المرأة ضد عوامل التخلف الفكرى .. و إنتصرت .. سواء في العمل ..أو حرية إختيار شريك الحياة .. أو في المنافسة بالمدرسة و الجامعة .. أو في الإبداع الفني و العلمي و الثقافي .

و لكنها في نفس الوقت أصبحت صيدا سهلا لمقاولي توريد الأنفار الذىن إستخدمتهم الحكومات عند التصويت في الإنتخابات و الإستفتاءات لتوجهها كيفما تريد.

بعد هزيمة 67 كان سكان مصر يتكونون من طبقة رفيعة للمستفيدين برأسمالية الدولة .. تجدها علي كراسي الحكم ومراكز إتخاذ القرار و في البرلمان و مجالس إدارة شركات القطاع العام و مؤسسات الدولة و في المصايف و الملاهي و أماكن الترفية .

ثم طبقة عريضة مترهلة من سكان المدن المختلطين بالنازحين من الأرياف ..تحمل تناقضات الأصول الريفية مع سمات أهل المدن ..تائهه مترددة .. خائفة .. و في نفس الوقت إنتهازية تنتظر لحظة الوثوب .

ثم أغلبية من الفلاحين ..تقودهم الجمعيات التعاونية الزراعية البيروقراطية بدلا من الإقطاعي ..و العمال توجههم نقابات هيكلية .. تعبر عن وجهات نظر حكومية ... أغلبهم يجهل القراءة و الكتابة .. يعاني من الإحتياج و الفقر .. ينتظر الخروج إلي مجالات الامان ببيع قطعة من أرضة داخل كردونات القرى .. أو تجريف التربة و توريدها لمصانع الطوب أو الهجرة للمدن و الدول العربية .

من بين كل هؤلاء ..لم يكن يؤرقه الهم العام إلا الطلاب فقد أخرجت منظمات الشباب أعدادا من الصبايا و الشباب المثقفين سياسيا .. و الذين رفضوا الهزيمة .. و ثاروا لاول مرة ضد المتسببين فيها ..

و هكذا كانت الحركة الطلابية بشقيها 68 و 72 المفرخة التي قدمت لنا .. نماذجا إيجابية من الشباب المحب لوطنه.... أروى صالح .. سهام صبرى.. سلوى بكر.. ليلي عوني .. ليلي الرملي ..سوزان فياض ..سوسن الزنط .. سامية صالح ..و أخريات . كانت همومهن .. هي هموم الوطن .
لن أطيل في الحديث عن الحركة الطلابية فهناك دراسات و كتب عديدة كتبها صناعها .. و بالخصوص أحمد شعبان .. و أحمد عبداللة رزة .. و أروى صالح .. و فتحي إمبابي .. و لكن سأنقل عبارة المهندس أحمد شعبان ..

((من رحم هزيمة 1967، ولدت الحركة الطلابية الجديدة في السبعينات، من انهيار المُثل وخيبات الأمل واكتشاف حجم المأساة والإحساس العميق بوطأة الاحتلال، ومن مهانة الوضع القائم في مواجهة الرايات الصهيونية المختالة التي كانت ترفرف فوق التراب الوطني المقدس، انفجرت صواعق الغضب الطلابي)) .

مات عبد الناصر في سبتمبر 1970، وتولى أنور السادات،القادم بأجندة مخالفة لسلفة .. بدأت بالإصطدام مع الحركة الطلابية عام 1972 .. ثم إقتحام الحرم الجامعي لفض إعتصام الطالبات و الطلبة و إعتقالهم و محاكمة بعض منهم .. ثم مطاردتهم بواسطة جماعات الإسلام السياسي لتتغيرشكل الحياة في مصر ..و تبدأ الحركة النسوية عصرا جديدا يقوده لاول مرة حفيدات حسن البنا ... (( باكر نكمل حديثنا )) .