خالد منتصر
قصة معتصم وعبدالله من أقوى المشاهد والمواجهات الدرامية فى مسلسل الاختيار، قصة منسوجة بمهارة، وإيقاعها المتصاعد يلخص بذكاء ويختزل بلماحية كيف يتشكل الإرهابى من رحم الإخوان، رسالة لها دلالة، وبوصلة حتماً ستهديك إلى فهم هذه العقلية التى كنت تتعامل معها وتأمن جانبها بل وتؤيدها فى أحيان كثيرة، بدعوى أنهم «ناس بتوع ربنا»، مع الدراما سيكتشف معظم من وقعوا فى فخ الإخوان أنهم كانوا مغيبين أو ساذجين أو للأسف متواطئين، وأن كل الإخوان معتصم لكنهم ينتظرون الفرصة، معتصم شخص مهمش وهش البنية الفكرية، بلا ملامح وكأن البلدوزر قد سطح شخصيته وإنسانيته، مجرد رقم فى طابور ريفى طويل، ليست به أى نقطة تميز أو لمحة تفرد، ركب الإخوان السلطة فى غفلة من الزمان، تدعمهم ثقافة فاشية توغلت وتغلغلت فى غيبة دولة أو بالأصح فى صفقة نظام مباركى مع فاشية دينية، شعار الصفقة «اتركوا لى الكرسى وسأترك لكم الشارع»، ها قد حانت الفرصة لمعتصم ليصعد من هامش وعدمية وتلاشى الصفر إلى رقم مهم فى المعادلة ككادر إخوانى مؤثر،

يأمر وينهى ويلوح ويغرى من خلال السلطة الجديدة، كيف لا وهو قد صار أحد أعضاء الفرقة الناجية، بابتسامة لزجة، وأدب قرود زائف، وقاموس لغة مهجور يضفى عليه قداسة وغموضاً، يستخدم لغة الاستعلاء فى محاولة تجنيد سعد الفلاح ابن قريته لينضم إلى الإخوان، يفحمه سعد بفطرته البسيطة، وذكائه القروى المستمد من مخزون تاريخ خمسة آلاف عام ضاربة فى جذور الزمن، يفضحه ويفضح ازدواجيته، المدهش أن هذا المعتصم بجهله يحاول أن يتسلل لسعد من خلال شقيقه عبدالله، يقول له إن له فى عبدالله أكثر منه، وللأسف كان عبدالله مصدقاً بأن معتصم الإخوانى هو أخ وشقيق، فى اعتصام رابعة فقد معتصم هدوءه الأفعوانى، وحاول تجنيد أهل القرية فى الاعتصام بمن فيهم سعد، لكن سعد يعريه ويكشفه، وينعش ذاكرته بأنه يستدعيهم فقط وقت المصلحة، يخرج الضبع من تحت لحية معتصم، ويتجمع كل سم وصديد وقيح الغل والسواد، ويقرر الهروب إلى عصابة الجهاديين التكفيريين القتلة،

كل ما فعله أنه قد صعد درجات سلم فقط ولم يغير أو يبدل السلم أبداً، بداخله فكرة الاستعلاء الدينى والولاء والبراء وجهاد الطلب، كل ما فعله هو أنه حول تلك الأفكار لحشو بندقية، اختار «أبوسعد» اسماً حركياً، اختياره تعويض نفسى لهزيمته أمام سعد الفلاح البسيط، وعند المواجهة مع عبدالله شقيق سعد الذى كان يزايد ويقول إن له فيه أكثر من سعد، أفرغ الرشاش بكل الحقد والغل والقسوة، وظل يغربل الجثة حتى بعد توقف النفس وصعود الروح، انتزع معتصم شارة عبدالله وبندقيته التى تشنجت أصابعه عليها حتى يسد نزيف جرح غيرته المرة ويردم فجوة انسحاقه الوضيع فى القطيع، نظرة معتصم الثلجية، المليئة بشبق الدم، نظرة هى بمثابة صورة أشعه كاشفة لكل العفن الفكرى الذى بداخل جمجمة هذا المكفر، نظرة تصرخ فى وجه كل مخدوع مطالب بالمصالحة مع هؤلاء الخونة، تصرخ قائلة كلنا معتصم، وقتلك مؤجل إلى حين، وعندما سيتوافر معى السلاح والتمكين سأقتلك.
نقلا عن الوطن