الأخوان المسلمين خلال أربعينيات و خمسينيات القرن الماضي .. كانوا قد فشلوا في الإنتشار بين الجماهير رغم ما أقاموه من مشاريع إقتصادية ..و مشاغل للفتايات أو فصول تعليمية لهن أو كتاتيب تحفيظ القرآن أو تقديم مساعدات إجتماعية لبعض المحتاجين .

سبب ذلك أن خطابهم كان يماليء الإنجليز و الملك و يسعي لركوب السلطة عن طريق بعض من ضباط الجيش و البوليس الموالين لهم .. .و لم يكن من مخططاتهم العمل من أجل تحقيق أحلام الشعب في إستقلال و تنمية و رخاء ...بقدر ما كان إرهاب الحكومة و لا مانع المواطنين بالإغتيالات و التفجيرات و الحرائق المدبرة .
 
إستمر هذا الفشل حتي 52 لقد كانت رياح التغيير قد عمت العالم بعد الحرب العالمية الثانية قوية...وكان لقدرة (الوفد) الليبرالي شديدة الفاعلية علي عمل إتزان للقوى يحد من قدرات الفاشيست عموما و الإخوان بالخصوص
 
كما كان للفن بما في ذلك السينما و الأغاني المذاعة من الراديو وكتب الأدب و الجرائد و المجلات ..دور هام في تعديل مفاهيم البرجوازيات المصريات ..و جذبهن إلي براح التحرر ..عبر خطوط الموضة ..و نماذج الحياة العصرية .
 
يمكن تتبع أثار هذا التغييرمن خلال مواضيع الأفلام المبكرة أو روايات كتاب ذلك الزمن .. و بالخصوص طه حسين .. الحكيم ..و إحسان عبد القدوس..أو الإطلاع علي الحوارات الفكرية التي نشرتها روز اليوسف لتحرك المياة الساكنة ...أو مراجعة مواضيع جرائد الإشتراكي و مصر الفتاة .
 
لذلك كان خيار الأخوان المسلمين بدلا من عمل قاعدة شعبية تواجة قواعد الوفد و تتبني قضاياه و أحلامة ...أن يقلدوا هتلر و يرهبوا الحكومة و الشعب و يخوضوا معارك إغتيالات متبادلة أدت لوفاة رئيسي وزارة (أحمد ماهر و النقراشي) .. و تصفية حسن البنا ..
 
نعود لموضوعنا
و هكذا لم تظهر علي الساحة كوادر نسائية فاعلة من الإخوان عدا زينب الغزالي إذ لم يكن في تخطيطهم القيام بحراك شعبي و لم يضعوا المرأة في حسابهم ..بقدر الإعتماد علي دعم القوى العليا الفاعلة (إنجليز ، ملك ، ضباط الجيش و البوليس ) .
 
بكلمات أخرى الإخوان كان دورهم ضعيفا في المجتمع..لا يوازى المد الذى يغير من كينونة نساء الطبقة الوسطي .. لدرجة أن المرشد بعد 52 و كان يتصور أن الضباط المنقلبين .. من رجاله طلب من عبد الناصر أن يجعل نساء مصر تلبس ( طرح ) و لكنه كما جاء في خطبة شهيرة رد (( عندما تلبس إبنتك طالبة الطب طرحة سأقوم بهذا ))..
 
أنا لا أعمل مؤرخا .. و لا أكتب التاريخ .. و إنما أتأمل الأحداث التي يبدو منها أن الأخوان تصوروا أن الإنقلاب العسكرى في حالة نجاحة سيتبع إرشاداتهم .. ثم يتنحي تاركا المسرح لهم ....
 
لذلك إختفوا في أيامة الأولي .. و لم يعبروا عن تأييدهم له .. حتي تمكن و أنتصر و طرد الملك .. و بدأ في تكوين حكومات الثورة .. فهنا ظهروا يريدون بشكل إنتهازى ..جني الثمار ..و كاد أن يحدث هذا فسيد قطب زعيمهم كان المدني الوحيد الذى سمح له أن يحضر إجتماعات مجلس الثورة وكانوا يرجعون له في كل القضايا السياسية.
 
وفي الواقع كان عام 1952، بداية الإنقلاب علي نمط الحياة في المدن المتروبوليتانية الذى كان سائدا في القاهرة و الأسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية .. من إختلاط الأجناس و القوميات .. و اللغات ..وتنوع أساليب الحياة ..و تطور البرجوازية المحلية الملتصقة بالغرب بعيدا عن الإسلوب السائد لحياة الأغلبية المقهورة لأهل الريف..
 
لقد قام النظام الجديد بتغيير هذه البنية .. إما بعمليات التمصير و التأميم و بطرد الأجانب و اليهود . أو فتح المدن لإستقبال مهاجرى الأرياف الذين يبحثون عن فرصة عمل.. لقد أريفوا المدن و أنهوا علي التنوع الحضارى الذى كان لها قبل الإنقلاب .
 
هل كان هذا مقصودا . لا أعرف .. و لكن من سير الأحداث سنجد أن نظام يوليو مر بثلاثة منعطفات
 
ألاولي ثورية راديكالية عندما خلع الملك عن العرش. وأصدر بيانًا يعلن فيه عن حل جميع الأحزاب السياسية (عدا الأخوان المسلمين )... و شمل ذلك حظر جميع الحركات النسوية المستقلة.... لقد كان صغار الضباط يعبرون عن أحلام الشارع في الإستقلال و التخلص من الملكية الأرستقراطية و عدم رضاة عن الحياة السياسية ..و رفع مطالب التنمية ... قوبل ذلك بالترحيب .. و لم يعد يطلق علية حركة الضباط الأحرار بقدر ما أصبح رسميا ثورة .
 
صغار ضباط يوليو كانوا من أبناء هذا الشعب .. ممثلين للفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة .. ثقافتهم أقرب للفاشيست سواء كانوا متأثرين بصعود موسيليني و هتلر السريع أو بمباديء حزبي مصر الفتاة و الأخوان المسلمين المنتشرة بينهم .. يرون أن الرايخ الثالث هو الحل الأمثل لمقاومة الإستعمار و إحداث نهضة سريعة في المجتمع ..
 
فإستخدموا نفس الوسائل التي طبقها هتلر و ستالين ..نظم حكم عسكرية ومليشيات شعبية تحشد المواطنين حول شعارات مثل( الإتحاد و النظام و العمل) ..أو ما يسمي بهيئة التحرير ..
 
المنعطف الثاني جاء بعد الإستقلال .. ودام لعشر سنوات من (1957 إلي 1967 ) كانت فيها إرادة المصريين يصنعها المصريون .. لاول و أخر مرة خلال القرن العشرين.
و كانت إرادة المصريين كما عبر عنها الميثاق .. الإنعتاق السريع من أسر التخلف و ذلك ببناء دولة علي نمط الرأسمالية المركزية كنواة لامة عربية ..
 
سار البناء بوتيره متسارعة يصاحبه كبح لأى فكر مخالف (لاعداء الثورة ) حتي لو كان لحلفاء الأمس من الإخوان المسلمين ..و.. تم إجهاض أغلب البؤر الليبرالية التي إزدهرت من 1923 حتي 1945 .. بما في ذلك تنظيمات العمال و الطلبة .. و الفلاحين .. و الشباب و المرأة وإستبدلت بمؤسسات رسمية حكومية .. لتصبح أجهزة تابعة للحكومة تضم عناصر مزيفة إنتهازية ..لا تمثل الأغلبية و لا تهتم بقضاياها.
 
المنعطف الثالث جاء بعد هزيمة القومية العربية و توابعها في اليمن و سيناء و الإستسلام لقوى السوق العالمي بما في ذلك البنك الدولي و صندوق الدين .و الذى نعيشة حتي اليوم .
 
لقد خرجت الأرستقراطية المصرية خالية الوفاض منذ البداية ..و لم نعد نراها في قصورها وملابسها الفاخرة و مواكبها .. و تم إزاحة الأجانب من السوق و تمصير أنشطتهم .. و التضييق علي اليهود حتي غادر أغلبهم إلي أوروبا و أمريكا و إسرائيل .و صعدت الطبقة المتوسطة العسكرية إلي كراسي الحكم لتبدأ علاقات جديدة ( سنناقشها باكر )