اعداد سليمان شفيق
يلاحظ ان محمد علي انشأ مدارس الطب والمهندسخانة والصيدلة والمعادن والمحاسبة والفنون الخ لخدمة الجيش ،اضافة الي ارسال البعثات العلمية الي اوروبا من اجل اقامة الدولة الحديثة والاستقلال عن البيت العالي وحلم انشاء امبراطورية مصرية مستقلة عن الباب العالي.

ومن هذا المنطلق انشأ محمد علي باشا المستشفي العسكري بالخانكة 1823،وبعد مرور سنتين في 1825،اقترح كلوت بك انشاء مدرسة للطب لتخريج اطباء للجيش ولكن بمرور الوقت اصبح الاطباء المصريون يخدون الجميع جيش وشعب .

وقادت الظروف ابراهيم النبراوي الي مدرسة الطب حيث اختارة كلوت بك مدير المدرسة ضمن مائة تلميذ من طلبة الازهر كما يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، في كتابه (عصر محمد علي): «واختارت الحكومة 100 تلميذ من طلبة الأزهر………… يدرسون علوم التشريح والجراحة، والأمراض الباطنية، والمادة الطبية، وعلم الصحة، والصيدلة، والطب الشرعي، والطبيعة، والكيمياء، والنبات، وكان في المدرسة أيضا أساتذة آخرون لتدريس اللغة الفرنسية للتلاميذ الأزهريين".

كان من بين المائة تلميذ الأزهريين الذين اختيروا للالتحاق بالمدرسة، «إبراهيم النبراوي»، وهو شاب من «نبروه» (قرية كانت تتبع مديرية الغربية وقتها، لكنها الآن مركز يتبع محافظة الدقهلية). لم يكن إبراهيم النبراوي يتصور أنه سيكون من أبرز أطباء مصر، وأن كتب التاريخ ستذكره. فيقول عنه علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية: «وهو أنجب من اشتهر في التجريح (الجراحة)، ذو إقدام على ما لم يقدم عليه غيره…… ويعمل العمليات المنتجة للصحة، ولم يسبقه في ذلك غيره. وكان يكتسب من ذلك أموالا جسيمة، فملك كثيرا من العقارات والجواري والمماليك وغير ذلك.»

يضيف  الكاتب طارق يوسف في "اصوات " :
(نشأ إبراهيم النبراوي بقريته نبروه، صبيا يعمل في فلاحة الأرض مع أبيه الفقير، ولم يكن أبوه يملك أكثر من بضعة قراريط من الأرض يزرعها بالفاكهة والخضروات، ثم يبيع المحصول في مدينة طنطا عاصمة المديرية حينئذ. كان إبراهيم يذهب إلي كُتَّاب القرية، لكنه رغب في أن يساعد والده في تسويق محصوله، الذي كان في ذلك العام «بطيخ»، فظن أنه لو قام ببيع المحصول في المحروسة (القاهرة) فسيستطيع الحصول علي ثمن أغلي وربح أكثر، فأشار على والده بذلك فوافق الوالد. وعندما حان حصاد المحصول استأجر إبراهيم جملا وقام بتحميل البطيخ، وسافر إلى القاهرة، وذهب إلي حي الجمالية المزدحم بالمارة، ظناً منه انه يستطيع الحصـول علي بيع سريع ومكسب أكبر في هذا الحي)

وعندما عرض بضاعته ومحصوله للبيع وجد أن سعر البطيخ ينخفض (نتيجة ضيق ذات اليد لعوام الناس في هذه الفترة)، فرأي أن ينتظر يوما أو يومين ربما يرتفع السعر ولكن دون فائدة، والوقت ليس في صالحه، فالبطيخ بدأ يفسد كلما مر الوقت، فباع المتبقي منه بسعر بخس، وقام بدفع أجرة صاحب الجمل وطلب منه أن يعود ويبلغ والديْه اعتذاره لعدم قدرته علي تحقيق ما وعدهما به، وأن يبلغهما أنه لن يعود إلى «نبروه» إلا بعد أن يشق طريقه في القاهرة، حتى يعوض ما أصابه من فشل. وأثناء سيره في شوارع الجمالية بحثاً عن عمل، وجد مسجدا كبيرا، وتعجب من تجمع التلاميذ داخله في حلقات، كل حلقة بها شيخ يدرس لهم، فسأل وعرف انه الجامع الأزهر وأن هؤلاء تلاميذ يتلقون العلم، فقرر أن يصبح عالماً مرموقا، وأن يتعلم حتى يعود لقريته شيخاً للقرية يحترمه الجميع، ويسـتطيع وقتها أن يعوض والديه عن خسائر صفقة البطيخ. لم تمر شهور حتى بدأت الحكومة في اختيار بعض تلاميذ الأزهر لإلحاقهم بمدرسة الطب بأبي زعبل، وكان إبراهيم النبراوي، الذي اشتهر بين أساتذته بنبوغه، من بين من وقع عليهم الاختيار لدراسة مهنة الطب بالمدرسة المنشأة حديثا. هكذا انتقل إبراهيم من طالب أزهري، يحلم بأن يعود إلي قريته شيخاً لمسجد القرية، إلي مدرسة الطب التي سيتخرج فيها طبيبا ذائع الصيت)

من ابوزعبل للقصر العيني :
نعود الي عبد الرحمن الرافعي وكتابه عصر محمد علي: «ذكر المسيو مانجان («فيلكس مانجان» قنصل فرنسا العام في مصر في عهد محمد علي) أن عدد تلاميذ مدرسة الطب بلغ 140 طالبا سنة 1837، و50 طالبا في مدرسة الصيدلة، ووصف مستشفى أبي زعبل فقال: إن غرفه منسقة تنسيقا بديعا، يتخللها الهواء الطلق، وتسودها النظافة حيث عهد إلى مدرسي مدرسة الطب ملاحظة خدمة المستشفي، فجمعوا بين التدريس وملاحظة المستشفى. ثم نقلت المدرسة ومعها المستشفى إلى مصر (يقصد القاهرة) سنة 1837، واختير لها قصر العيني، فصارت المدرسة والمستشفى أقرب وأدعى إلى نشر التعليم الطبي ومعالجة المرضى".

من اوئل دفعة الطب في باريس:
اختار كلوت بك 12 طبيبا من اوائل مدرسة الطب في ابو زعبل وكان ابراهيم النبراوي احدهم وسافر الي باريس في البعثة الرابعة وكما نبع في الازهر ومدرسة الطب في الخانكة ،لينال في الاكاديمية الباريسية لقب الدكتوراة من جامعة الطب في باريس .

ويكمل  الكاتب طارق يوسف في "اصوات " :

حكيمباشي الأسرة المالكة:

(عاد الدكتور أوالحكيمباشي إبراهيم النبراوي من فرنسا بعد أن أتم دراسته وحصل على درجة الدكتوراه، يصطحب زوجته الفرنسية التي ساعدته كثيرا في تعلم لغتها. أصبح إبراهيم النبراوي مدرسا في مدرسة الطب، وكان من أوائل المصريين الذين اشتغلوا بالتدريس في ذلك الوقت، وأشتُهر كأفضل أطباء عصره، وأحد أنبغ الجراحين، حتى وصلت شهرته لمحمد علي، فاختاره ليصبح حكيمباشي الأسرة المالكة

وقد عاصر علي باشا مبارك، الدكتور إبراهيم بك النبراوي، فترجم له في كتابه الشهير «الخطط التوفيقية» حيث قال: «ولنجابته وحسن درايته في فنه اختاره العزيز محمد علي باشا حكيمباشي لنفسه، وقرّبه وتخصص به، وبلغ رتبة أميرالاي، وكثرت عليه إغراقات العزيز، وانتشر ذكره، وطلبته الفامليات والأمراء» وانتخبه أيضا المرحوم عباس باشا (خليفة محمد علي ووريثه في حكم مصر) حكيمباشي له بعد جلوسه على التخت، واختارته والدته أيضا للسفر معها إلى الحج بالأراضي المقدسة، ولما رجع من الحج وجد زوجته الإفرنجية التي كان أتى بها من بلاد الإفرنج قد ماتت، فأخرجت له والدة المرحوم عباس باشا إشراقة من جواريها، وأنعمت عليه بها.)

ترك النبراوي تراثا علميا مهما منهم كتابة "الاربطة الجراحية" كما ترجم من الفرنسية كتابين لكلوت بك وهما : «نبذة في الفلسفة الطبيعية»، و«نبذة في أصول الطبيعة والتشريح العام".

ومن مفارقات القدر يموت الحكيمباشي وبروفسير الطب ابراهيم النبراوي من مرض الربو1862.

المصادر : طارق يوسف 20  فبراير20 20,  الحكيمباشي إبراهيم النبراوي.. من بائع بطيخ.. إلى أشهر أطباء عصره.

عصر محمد علي، عبد الرحمن الرافعي، دار المعارف، الطبعة الخامسة 1989

لمحة عامة إلى مصر، أ.ب. كلوت بك، دار الكتب والوثائق القومية، 2011.

الخطط التوفيقية الجديدة، علي باشا مبارك، دار الكتب والوثائق القومية، الجزء 17، الطبعة الثانية2003 .