محمد حسين يونس
المتتبع لحركة تحرير المرأة في مصر يجد أن التغييرات تأتي دائما من أعلي سواء بواسطة سيدات الطبقة الأرستقراطية اللائي إنبهرن بما يحدث في بلد مصطفي كمال أتاتورك أو أوروبا ما بعد الحرب العالمية الأولي .. فأردن تكراره في مصر... أو بسبب تعليمات و أوامرالسيد الرئيس القائد الذين يريد إعطاء إنطباعا بأنه يحكم بلدا متحضرا معاصرا .

لذلك سنلاحظ أن تقدم و إرتداد الحركة النسوية .. مرتبط بمدى قناعات الأرستقراطية ( الأغنياء ) أو الحكام .. و تفاعل سيدات الطبقة الوسطي بجميع شرائحها .. ثم تمتد الموجة لتشمل بعض من ساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية ..و لكن دون تغيير أساسي في علاقاتهن الإجتماعية المتوارثة .

في بداية القرن العشرين مع إنطلاق المطالبات بالإستقلال التام أو الموت الزؤام ...كان موعد المخاض .. فالحركة النسوية الناشئة إستطاعت أن تضم لها متعاطفات و داعمات من سيدات الطبقة الوسطي المتعلمات بحيث كونت طالبات المدارس ساكنات المدينة البرجوازيات أغلب المتظاهرات .

((صاحت نساء القاهرة المحجبات في الشوارع بشعارات الحرية والاستقلال عن الاستعمار الغربي. ونظمن إضرابات ومظاهرات، ومقاطعات للبضائع البريطانية، وكتبن عرائض تستنكر الأفعال البريطانية في مصر)).

((في 16 مارس 1919، خرجت ثلاثمائة امرأة في مسيرة إلي (بيت الأمة) للمطالبة بالاستقلال الوطني وحرية المرأة في نفس الوقت)) .

((ومع مرور الوقت، ونتيجة قمع جنود الاحتلال، ازدادت حدة المظاهرات، وخرجت النساء من جميع طبقات المجتمع.

خلال تلك المظاهرات، سقطت أول شهيدة مصرية برصاص الاحتلال تسمي (شفيقة محمد). وتحولت جنازتها إلى مظاهرة كبرى، اشترك فيها الآلاف من النساء، سقط خلالها أربع شهيدات أخريات هن: (عائشة عمر) و (فهيمة رياض) و (حمدية خليل) و ( نجية إسماعيل).

وهكذا مهرت المصرية بالدم تحركها من أجل رفع الظلم عن وطنها .. أو كما أرخت كاتبة فرنسية
((ولدت الحركة (النسويّة) التي كانت (هدى شعراوي ) رائدتها، من رحم النضال الشعبي الذي شاركت فيه المرأة المصرية ضد الاحتلال الانكليزي خلال ثورة 1919؛ وقد تحولت تلك الحركة إلى تيار قوي قادر على أن يحشد نساء الطبقة البرجوازية تحت شعاراته ومبادئه.))

((في عشرينيات القرن كانت تداعيات ثورة 1919 لا زالت قائمة .. و كان المجتمع بعد سقوط الخلافة يخلع ثوب العثمانية و يتخلص من نظام الحريم و التضييق علي نشاط النساء و كانت رياح التغيير فيما بعد الحرب العالمية الاولي تهب عاصفة من أوروبا لتبدأ الطبقة الوسطي عهدا جديدا تخلع فيه المصرية البرقع و تواجه العالم بإبتسامتها صارخة أنها لا تقل عن نساء العالمين حيوية و مقدرة))

تميزت رائدات هذا التيار بمستوى تعليمي متقدم وإتقان لعدة لغات تعلمنها على أيدي مربياتهن الأجنبيات أومن من خلال المدارس التبشيرية ...فتعرفن على ثقافات تحترم إستقلالية المرأة .

كرس الاتحاد النسوي المصري نفسه لخدمة قضايا تخصة مثل تعليم النساء والإتزان الاجتماعي، وإحداث تغييرات في القانون تهدف إلي توفير مساواة بين الرجل والمرأة .

((واعتبر الاتحاد أن المشاكل الاجتماعية في مصر، كالفقر، والدعارة، والأمية، والحالة الصحية المتردية، ليست ناتجة عن خلل اجتماعي اقتصادي بعينه، ولكن بسبب إهمال الدولة لمسؤولياتها تجاه شعبها.))

بدا ذلك واضحًا في مجلة L Egyptienne (المصرية) ، والتي أصدرها الاتحاد. فقد كانت تُكتب وتُنشر باللغة الفرنسية، وكانت الجريدة متاحة للمصريين المتحدثين بهذه اللغة ، والذين كانوا في الأغلب من الطبقات العليا.

و كانت القضايا التي تُناقش في المجلة تشير إلي الإصلاحات التركية تجاه المرأة، والتي أثرت على النساء المصريات المسلمات حيث كتبت محررة المجلة سيزا نبراوي عام 1927

((أننا النسويات المصريات، نحترم ديننا بشكل عميق. وهدفنا أن نراه يُمارس بروحه الحقيقية)).

وهكذا رغم أن الدستور 1923 قد غير بعضًا من أوضاع المرأة، مثل رفع سن الزواج لـ 16 عامًا، إلا أن مسألة حقوق المرأة السياسية تم تجاهلها ، وكذلك الحق في الطلاق وإلغاء تعدد الزوجات.

ولكن رغم تواضع المطالب فإن السدادة رفعت عنالقنينة ليجرج المارد الأنثوى يسعي لتغيير المجتمع و جاءت الفترة من 1919 حتي 1923 .. غنية بكفاح المرأة لنيل حقوقها .. .. ماذا حدث بعد ذلك .. ((نتحدث عنه باكر)) .