د. مينا ملاك عازر

لما جاءت كورونا في بداياتها، ومع الحظر المنزلي'> الحظر المنزلي الذي نتبعه ليلاً تضايق الكثيرون، وخرجت كثير من الصيحات على الفيسبوك وغيره تظهر أن الزوجة رافضة لوجود الزوج في البيت والعكس، أي تظهر رفض الزوج لوجوده في البيت وكأن اللمة مش حلوة، ومع رمضان ظهر الفكر العام الداعي للتلاقي الأسري والتعارف العائلي، وخففت الحكومة الحظر نزولاً على رغبات غير واعية بخطورة الفايروس، فصرنا كالراقصين على السلم، وكان هذا بداعي أن اللمة حلوة، أي لمة حلوة؟ اللمة التي تكون خارج البيت مع العائلة الكبيرة وليس مع العائلة الصغيرة؟ هل أصبحت الزوجة مملة لهذا الحد؟ هل أصبح الزوج باعث على الدجر لهذا الحد؟ في حين أن الغرباء من أخوى وآباء وأصدقاء أخف وطأة وأكثر رحابة بنا وبهم في قلوبنا وقلوبهم، لماذا ضاقت قلوب الأزواج والزوجات بمن اختاروهم يوماً ما ليشاركوهم الحياة؟ لماذا ضج الجميع بلمة البيت وبالحظر؟ لماذا صرنا ميالين للتواصل بمن هم خارج نطاق العائلة الصغير بالذات؟ مرتاحين للنقاش والحديث معهم وإليهم، مستمتعين بحديثهم ونقاشنا إلينا ومعنا، لماذا اندثر الحب وتوارى؟ ولماذا صرنا سيئي الاختيار حتى أصبحنا اليوم كارهين لما اخترناهم يوماً ما  وقبلناهم؟ 
 
كورونا كشفت لنا عن ما سبق رصده بدعابة، وأن الإنترنت هو الذي يفرقنا، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تباعد اجتماعي، فالكل في العائلة الصغيرة ينظر لهاتفه النقال، ويقلب في فيسبوكه، ولا يهتم بمن حوله، ولا يرصد أين الزوجة؟ وضيق الزوج، وما أن أصبحنا مضطرين جبراً البقاء مع بعض، الأمر بقى سيئ بالرغم أن الدولة حاولت مداواتنا بالذي كان يوماً ما الداء، وهو زيادة سعة التحميل في الإنترنت، لأنها تعرف أن ساعات بقاءنا عليه ستزيد بسبب وجودنا فترات أطول في البيت، ولكنه لم يحل الأزمة بل زادت الأزمة سوءً على سوئها، فقد اعتدنا الأمر، وزاد الداء استفحالاً وتباعدنا وصرنا في جزر منعزلة، في بحيرات ضيقة ومنغلقة، وبقى الكل لا يطيق للآخر كلمة، فهل نفهم الدرس؟ فهل كورونا كشف لنا حقيقة زيف أحلامنا؟ أم أننا الذين تخلينا عنها؟ وصار الحنين للعائلة الكبيرة جذاب لنا، بحيث يجعلنا نبتعد عن عائلتنا الصغيرة التي كونت بمحض إرادتنا، حتى إعلانات شبكات المحمول والإنترنت المنزلي باتت تخاطب فينا هذا الرفض لواقعنا الأسري، وتغرينا بباقات أكبر وأكبر، وباقات تراعي الحظر، والاضطرار آسفين للبقاء في البيت، يا سادة عذراً، ما لا شك فيه مجتمعنا بات فيه خلل واضح، ربما يكون في مجتمعات أخرى، لكن ما يهمني حقاً مجتمعنا، فهل يتحرك علماء الاجتماع والنفس لدراسة الأمر وتحليله والوصول للقاح ضد الإنترنت؟ أو قل ضد التباعد الأسري والتنافر الإنساني والحنين للخارج والراحة لمن ليسوا حولنا؟ 
 
ملحوظة شركات الإنترنت المنزلي بالذات التي زادت باقاتها قرابة العشرين بالمئة ولم تخسر -والحمد لله- كيف ستبرر لنفسها العودة عن الزيادة بعد نفاذ الحظر؟ وكيف سيقبل بهذا أجهزة تنظيم الاتصالات وحماية المستهلك أم أنه كله بالاتفاق على المستهلك فيما بينهم!؟
المختصر المفيد انتبهوا نحن في خطر.