بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 12 بشنس حسب التقويم القبطي الموافق 20 مايو حسب التقويم الميلادي بتذكار تكريس كنيسة الشهيد القديسة دميانة ببلقاس علي يد الملكة هيلانة أم الملك قسطنيطين ؛ وللقديسة الشهيدة دميانة مكانة هامة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؛فكثير من الكنائس مبنية علي أسمها ؛كما تسمي كثير من الأمهات بناتها بأسم دميانة وذلك تبركا بهذا الأسم ؛أما عن القديسة دميانة نفسها ؛فهي شهيدة مصرية عاشت في القرن الرابع الميلادي ؛ولدت من أبوين مسيحيين في نهاية القرن الثالث الميلادي ؛ وكان أبوها يدعي مرقس وكان واليا علي منطقتي البرلس والزعفران ؛وذات ليلة تقدم أحد الأمراء يطلب خطبتها ؛فعرض والدها الأمر عليها فكان ردها : "لماذا تريد زواجي وأنا أود أن أعيش معك ؟ هل تريدني أن أتركك ؟ " فأرجأ والدها الحديث عن زواجها ؛ولكنه لاحظ تعلقها الشديد بالكنيسة ومواظبتها الدائمة علي الأصوام والصلوات ؛ كما لاحظ تردد كثير من الفتيات العذراري علي بيتها وقضاء الوقت معها في الصلاة والتسبيح . وفي سن الثامنة عشر كشفت لوالدها عن رغبتها في حياة البتولية "التكريس للرب مع عدم الزواج " فرحب والدها بهذا الاتجاه ؛ وبني لها قصرا في منطقة الزعفران للتعبد للرب فيه مع أربعين عذراء نذرن نفسهن للبتولية ؛ وفي وسط هذه الأجواء أندلع الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور دقلديانوس ؛فضعف والدها أمام تهديدات الوالي الوثني وقام بالتبخير والسجود للأوثان ؛ وعندما سمعت دميانة بهذه الأمر غضبت غضبا شديدا جدا وخرجت من قصرها لمقابلة والدها ؛وعندما قابلته قالت له " كنت أود أن أسمع خبر موتك عن أن تترك عبادة الله الحقيقي " وطلبت منه أن يعود لإيمانه المسيحي ولا يخاف الموت بل يخاف من القادر علي إهلاك النفس والجسد كليهما في جهنم ؛وألا يجامل الإمبراطورعلي حساب إيمانه . ثم قالت له في حدة "إن أصررت علي جحدك للإله الحقيقي ؛فأنت لست أبي ولا أنا أبنتك " فألهبت هذه الكلمات قلب والدها ؛فبكي بكاءا مرا وندم علي فعلته ؛ثم قرر أن يتوجه إلي إنطاكية "نواحي سوريا حاليا " لمقابلة دقلديانوس وجهر أمامه بالإيمان المسيحي ؛فتعجب دقلديانوس جدا من سر هذا التحول السريع ؛وحاول إغراءه بكل الطرق للرجوع عن هدفه ؛فلما رأي إصراره وقوة إيمانه قرر قطع رأسه وكان ذلك في يوم 5 أبيب "12 يوليو حسب القويم الميلادي " . وعندما وصل الخبر إلي مصر ؛فرحت دميانة جدا لنجاة والدها من الهلاك الأبدي ونواله أكليل الشهادة . أما دقلديانوس فعندما علم أن سر تحول قلب مرقس الوالي ورجوعه إلي الإيمان المسيحي هو أبنته دميانة ؛استشاط غضبا ؛فأرسل بعض الجنود إليها ومعهم آلات التعذيب المختلفة ؛وعندما شاهدت دميانة الجنود وقد ألتفوا حول القصر ؛جمعت العذاري حولها ؛ونبهتهن إلي الخطر المحدق بهن ؛ثم قالت لهن "من تريد أن تثبت وتنال أكليل الشهادة فلتبقي ؛أما الخائفات منكن تستطيع أن تهرب من الباب الخلفي" ؛فأعلن جميعا عدم خوفهن ولن يهربن .

ثم ألتقي قائد الجنود بدميانة ؛وقال لها أن الإمبراطور يدعوها للسجود للآلهة ؛وحاول إغراءها بالعديد من الكنوز والهدايا ؛بل وأكثر من هذا وعدها أنه سوف يقيمها أميرة عظيمة . أما هي فأجابته " أما تستحي أن تدعي الأصنام آلهة ؛ فليس إله إلا الله خالق السماء والأرض ؛وأنا ومن معي من العذاري مستعدات أن نموت من أجله " .فأغتاظ القائد جدا وأمر أربعة جنود بوضعها داخل الهمبازين "أحدي آلات التعذيب في ذلك الوقت " وكانت بقية العذاري يبكين وهن يراها تتعذب ؛ثم أخرجوها من الهمبازين وهي شبه ميتة ؛وألقوها في السجن . ولكن ملاك الرب جاءها داخل السجن ومسح كل جراحاتها . وفي الصباح فوجيء الجنود بأن دميانة مازالت حية ؛بل وأكثر من هذا لا يوجد أي أثر للجراحات في جسدها ؛ فجن جنون القائد وأتهمها بالقيام بأعمال السحر ؛أما الجموع المتراصة فعندما شاهدت ما حدث صرخوا جميعا بلسان واحد " ألا لعنة عليك أيها الظالم ؛أعلم أننا جميعا مسيحيين وها نحن نجاهر بإيماننا علي رؤوس الأشهاد ؛ ولا نخشي عذابا ولا عقابا ؛وليس لنا إله إلا إله القديسة العفيفة دميانة " فلما سمع القائد ذلك أمر بقطع رؤوسهم جميعا بحد السيف فنالوا أكليل الشهادة ؛ثم التفت إلي القديسة دميانة وطلب من الجنود أن يذوقوها جميع أنواع العذابات ؛ فمرت القديسة بسلسة متصلة من العذابات ؛ولكن في كل مرة كان يأتي ملاك الرب ليشفيها ويقويها ؛وأخيرا عندما يأس القائد من قوة احتمالها ؛أمر بقطع رأسها هي وكل من معها من الأربعين عذراء ؛فنلن جميعا أكليل الاشتشهاد وكان ذلك يوم 13 طوبة حسب التقويم القبطي "الموافق 21 يناير حسب التقويم الميلادي . أما احتفالية 12 بشنس "20 مايو" فهوتذكار تكريس الكنيسة التي علي أسمها في مدينة بلقاس علي يد الملكة هيلانة ؛وقصة بناء هذه الكنيسة هي أنه بعد نهاية عصر الاضطهاد ؛جاء الملك قسنطنطين "وهو أول إمبراطور مسيحي " . وكانت له أم قديسة تدعي "هيلانة " فعندما سمعت الملكة هيلانة بقصة الشهيدة دميانة والأربعين عذراء الذين معها ؛ أخذت كمية كبيرة من الاكفان معها ؛وتوجهت إلي القصر المدفون فيه القديسة مع الأربعين عذراء ؛ وعندما دخلت إلي القصر وجدت جثمان القديسة دميانة موضوعا فوق أحدي السرائر بالقصر ؛فقبلته وتباركت به ؛كما تباركت بأجساد الأربعين عذراء معها ؛ثم لفتهن جميعا بأكفان فاخرة ؛وأمرت أمهر المهندسين والصناع أن يهدموا القصر ويبنوا مكانه كنيسة كبيرة علي أسم الشهيدة دميانة ؛ أما القديسة دميانة فقد كفنتها بكفن غال الثمن جدا من الكتان ؛وصنعت لها سرير من العاج ووضعت فيه جسدها الطاهر ؛وزينته بالستائر الحريرية الجميلة . ثم دعت البابا الكسندروس بطريرك الكنيسة القبطية في ذلك الوقت "وهو البطريرك رقم 19 في سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية الارثوذكسية " فقام بتدشين الكنيسة في يوم 12 بشنس . وتقع هذه الكنيسة علي مسافة حوالي 12 كم شمال بلقاس .

ولقد ذكر هذا الدير العلامة المقريزي في موسوعته ؛غير أنه ذكر أن الدير علي أسم بوجرج "لعله يقصد مارجرجس " . كما ذكرها الرحالة الفرنسي فانسليب في كتابه الهام "تقرير الحالة الحاضرة 1671م "فقال عنه " وفي 21 إلي 25 مايو ؛يحتفل بعيد جميانة } دميانة{ ؛وهو دير شهير يقع بالقرب من دمياط ؛وأثناء هذه الأيام الخمسة ؛يتوجه إليه جميع الأقباط والأحباش ؛ومن عاداتهم في هذه الأيام أن تظهر في تلك الكنيسة السيدة العذراء للعيان (وسوف يكون لنا عودة إلي رؤية فانسليب لطيف السيدة العذراء عند الحديث عن الاحتفالات الشعبية )" كما ذكرها أيضا الرحالة الفرنسي "كلود سيكار" وذلك في الرحلة الرابعة التي قام بها إلي المنصورة والست دميانة ؛وكان ذلك عام 1714م ؛ حيث قال عنها " ومن بلقاس إلي الست دميانة حيث ظهر في الوادي كنيسة قديمة بها 22 قبة بيضاء تبدو من منظرها كحصن أو قصر ويقع مولد الست دميانة في شهر مايو " .كما ذكره القمص عبد المسيح المسعودي الصغير في موسوعته الشهيرة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين "

أما عن الاحتفالات الشعبية التي تقام بهذا الدير ؛فحدث ولا حرج .ففي خلال هذه الفترة تقام احتفالات كبري في منطقة البراري ببلقاس ؛حيث تنصب الخيام حول الكنيسة الأثرية ؛ويؤم هذا المكان سنويا الألوف من المصريين مسلمين ومسيحييين؛ حيث يكرمها المسلمون أيضا .

ويتداول زوار الدير – مسلمين وأقباطا – قصة ظهور طيف القديسة دميانة خلال عيدها ؛ ولعل من ضمن المؤرخين الأجانب الذين ذكروا هذا الظهور كان الرحالة الفرنسي "فانسليب " حيث قام بزيارة الدير في يوم 17 مايو 1672م و قال في مذكراته " ويعتقد المصريون مسلمين وأقباطا أن القديسة دميانة صاحبة البيعة تظهر في قبتها مدة ثلاثة أيام وأن الخيالات التي تتحرك في القبة هي حقيقية وليست انعكاسات ضوئية لأن الشبابيك التي يمكن أن تدخل منها هذه الأضواء هي قايمة في الجهة البحرية للكنيسة ولا يدخل منها ضوء الشمس بالمرة " . ثم يضيف في فقرة لاحقة " ولقد زرت هذا المكان المقدس وفي ليلة العيد المذكورة ظهرت هذه العذراء علي شكل طائر ضخم الجسم كبير الأجنحة يلف حول أرض المولد كثيرا حتي رآه الكبير والصغير " (لمزيد من التفصيل راجع تاريخ البطاركة ؛جمع وتأليف كامل صالح نخلة ؛ مطبوعات دير السريان 2001 ؛ص 89 ؛90 ) .

كما كتب عن هذه الاحتفالات في شيء من التفصيل الرحالة الانجليزي س.هـ .ليدر في كتابه الهام والشهير "أبناء الفراعنة المحدثون "وكان مما قاله في هذا الكتاب " ومازال المولد يحضره كل عام في الفترة من 5 :20 مايو ما بين 4 و6 آلاف حاج يأتون من كل أنحاء مصر .وعادة ما ينصبون الخيام حول الدير ويقيمون هناك لفترة لا تقل عن 8 أيام تنتهي في يوم الاحتفال الفعلي . وتذهب في العادة أعداد من التجار الذي يقيمون سوقا يبيعون فيها الطعام والشراب ؛ ويذكر الناس العديد من عجائب الست دميانة ومعجزاتها ؛فمنهم من يقول أنه رأوا تلك المعجزات بأعينهم ؛ومن تلك المعجزات التي وصلتنا أن الست دميانة يمكنها منع اللصوص من السرقة ؛أو من الهرب مما سرقوه . وهذا الاعتقاد من القوة بحيث لا تقع جريمة أثناء مولدها السنوي .الاعتقاد الآخر هو أنه إذا نظر رجل إلي أمرأة بنية سيئة يصيب الضرر عينيه ؛أو أي جزء من جسمه ؛وبناء علي هذا الاعتقاد تختلط النساء بحرية مع الرجال في هذه المناسبة دون أن يقع أي حادث مؤلم . وخلاصة القول هي أن المسلمين والأقباط الذين يعيشون في تلك الناحية ؛يحترمون تلك القديسة أشد الاحترام ؛ ويعتقون أنها وسيلة منحهم أهم الفوائد عندما يوجهون كلامهم إليها ؛وعادة ما تسمع المسلمين وهم يتغنون بأسمها ؛حيث يدعونها قائلين "يا ست يا بنت الوالي " .

كما ذكرها العالم الانجليزي ماكفرسون(1866- 1946 ) في كتابه "الموالد في مصر " والذي قام بنشره عام 1941 .

كما كتب عنها المبشر الانجليزي "ريف جيوليان لانسنج " في كتاب بعنوان " زيارة إلي دير ستنا دميانة " “A visit to Convent of Sittna (our Lady) Damiane" "والذي صدر عام 1865 .