سليمان شفيق
"مذكرات عريان يوسف سعد، الصادرة عن دار الشروق . البطل عريان يوسف من أبطال 1919'> ثورة 1919، وفدائيوها المنسيين، فى عام 1919، وبينما كان يوسف وهبة باشا رئيس الوزراء "القبطي" يمر فى شارع سليمان باشا، ألقى عليه طالب الطب "القبطي" عريان يوسف سعد عضو منظمة "اليد السوداء" قنبلتين ولكن يوسف وهبة نجا وحكم على عريان يوسف بالسجن عشرة سنوات أشغال شاقة، وقد اعترف عريان بأنة أراد كقبطى، أن يغتال عميل الاستعمار، حتى لا يتحول الأمر إلى فتنة طائفية بعد أن اغتال الوردانى بطرس غالى الكبير 1910، ويتم تشويه الحركة الوطنية، وتتناول مذكرات أول سجين سياسى مصرى فى العصر الحديث، تاريخ 1919'> ثورة 1919، من رؤية أحد أبطالها، وتلقى المذكرات الضوء على أحداث جمهورية زفتى المستقلة، كما تسرد المذكرات صفحات حول منظمة "اليد السوداء"، والتى كانت تستهدف قتل جنود وضباط الاحتلال البريطانى، والتى كان يقودها أحد أبرز أبطال 1919'> ثورة 1919 عبد الرحمن فهمى، يتضمن الكتاب خطة الاغتيال والأسباب ويوميات السجن فى سلاسة وإثارة .

يتحدث الدكتور جان ماهر عن طفولة عريان كابن لأسرة من كبار الملاك، وكيف تطوع للمنظمة من أجل اغتيال يوسف وهبة، ودوره فى جمهورية زفتى وقطع السكك الحديدية حتى لا يستطيع الجيش البريطانى القدوم إلى المدينة، ووصف الدكتور جان عريان الرياضى وكيف شعر مرة أن المخبرين يتتبعوه فسار بهم من مصر الجديدة إلى الهرم، وبعدها تعب المخبرون وذهبوا إليه يسألوه: "عريان أفندى هل هنرجع مشى؟" فطمأنهم قائلا: "لا سنركب الترام" .
وأضاف أنه حينما شعر بأن التدخين يضايقه ألقى بالسجاير جانبا وسار من القاهرة وحتى الإسكندرية، ورغم ذلك كان إنسان رقيقا، ووصف الدكتور جان كيف بكى عريان فى السجن حينما وصفة أحد السجانين بأنه "يشحت السجاير"، وتوقف الدكتور جان أمام الدروس التى استفادتها الأسرة من بطولة عريان، منهم من دخل القوات الجوية وتدرج وقاتل وحصل على أرفع الأوسمة، وكيف اقتدى جان بجده وشارك فى ثورة 25 يناير، واعتبر أن ذلك من أنبل ما قام به فى حياته .

وعاد الدكتور جان وأنصف سعد باشا زغلول، مؤكدا أن جده أخبره أن ويصا واصف تحدث عن البطل عريان أمام سعد باشا فقام زعيم الأمة بإصدار قرار بالعفو عنه وسأله إن كان يريد أن يعود لكلية الطب مرة أخرى فرفض عريان، وأكمل الدكتور جان أن عريان عين بعدها موظفا فى مجلس الشيوخ، وبعد حرب فلسطين عين فى مكتب الجامعة العربية لمقاطعة إسرائيل بدمشق.

ويقول المؤرخ الكبير د محمد عفيفي :
عريان يوسف سعد - بطل الوحدة الوطنية:


ولعل أبرز صور الوحدة الوطنية فى الحركة الطلابية هو قيام الطالب عريان سعد، طالب مدرسة الطب، بالتطوع باغتيال رئيس الوزراء آنذاك يوسف وهبة باشا، ليُفسِد مخطط الإنجليز الذين هدفوا آنذاك إلى تنصيب رئيس وزراء مسيحى ليقوم باغتياله أحد الطلاب المسلمين فيُحدِث ذلك فتنة طائفية شبيهة بما حدث من قبل مع اغتيال بطرس غالى.

لكن عريان سعد الطالب المسيحى سيصر على القيام بهذه العملية السرية مرددًا بأن دمى فداءً لمصر، ولذلك نجحت الثورة بحق فى إرساء دعائم القومية المصرية.

ولد عريان يوسف سعد فى الخامس والعشرين من مايو عام 1899 فى ميت محسن، وهو ابن يوسف سعد بك "ناظر الوقف المسيحى فى ميت غمر"، وترتيبه السادس بين إخوته الإثنى عشر، وقد تربى ونشأ فى عزبتهم بميت محسن بالقرب من ميت غمر ثم جاء إلى القاهرة لمواصلة تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية، ونتيجة لتفوقه التحق بكلية الطب.

وعندما اندلعت 1919'> ثورة 1919 كان عريان يوسف فى السنة الثانية بكلية الطب، وكانت أولى خطواته فى طريق السياسة عندما ذهب مع أحد أصدقائه للتوقيع على عريضة توكيل للوفد المصرى، وعن تلك اللحظة يقول عريان يوسف فى مذكراته:

"ولست أستطيع أن أصور مشاعرى، وأنا أدلف إلى ذلك المكتب فى سواد الليل فأجد زميلى فى غرفة وكيل المحامى ونحن جميعًا نكاد يختفى كل منا عن أنظار صاحبه من شدة الحذر، وأمسك بالورقة فأقرأ فيها أننى أوكل سعد زغلول ومن معه للسعى فى المطالبة باستقلال مصر ما وجد إلى السعى سبيلًا، وأمسك القلم فأوقع باسمى وصناعتى".

وقبل اندلاع الثورة كان عريان يوسف منضم لجماعة من الطلبة بمدرسة الطب كانت تجمعهم هوايات مشتركة ويقومون بالرحلات الرياضية فى أوقات فراغهم، أطلقوا على أنفسهم "جمعية الأنس".

فلما نشبت الثورة كان أفراد هذه الجماعة هم زعماء مدرسة الطب يجتمعون سرًا مرة فى منزل أحدهم ومرة فى مسجد المنيرة.

وبعد احد الاجتماعات أخبره أنه يستطيع ضمه لجماعة اليد السوداء، وهو ما تم بالفعل.

عندما تألفت وزارة يوسف وهبة باشا فى 1919 قوبلت بالاستياء العام، إذ كان تأليفها على أثر صدور بلاغ دار الحماية بقرب وصول لجنة ملنر وضرورة التعاون معها، فكان تأليف تلك الوزارة إقرارًا للسياسة البريطانية ومعاونة لها على تنفيذها،

فى وقتٍ ثارت فيه الأمة المصرية ضد هذا البلاغ وضد تلك السياسة، فكان تأليفها تحديًا للأمة.

ونظرًا لكون رئيس الوزارة مسيحيًا، فقد استاء المسيحيين من موقفه وعقدوا اجتماعًا كبيرًا فى صباح الجمعة 21 نوفمبر فى الكنيسة المرقسية الكبرى برئاسة القمص باسليوس وكيل البطريركية، أعلنوا فى هذا الاجتماع سخطهم على وهبة باشا وعلى قبوله تأليف الوزارة، وقد خطب فى هذا الاجتماع القمص سلامة منصور، رئيس المجلس الملِّى بالقاهرة، والقمص سرجيوس، وكامل أفندى جرجس عبد الشهيد نيابةً عن الطلبة، واتفق الحاضرون على إرسال برقية إلى يوسف وهبة باشا، ووقعها رئيس الاجتماع القمص باسليوس، وكان نص هذه البرقية هو:

"الطائفة القبطية المجتمع منها ما يربو على الألفين فى الكنيسة الكبرى تحتج بشدة على إشاعة قبولكم الوزارة إذ هو قبول للحماية ولمناقشة لجنة ملنر، وهذا يخالف ما أجمعت عليه الأمة المصرية من طلب الاستقلال التام، ومقاطعة اللجنة، فنستحلفكم بالوطن المقدس وبذكرى أجدادنا العظام أن تمتنعوا عن قبول هذا المنصب الشائن".

وتجلت مظاهر السخط العام على تلك الوزارة فى سلسلة الاعتداءات التى استهدفت عددًا من أعضائها، وما يهمنا هنا هو دور عريان يوسف ومحاولته اغتيال رئيس الوزراء.

ففى منتصف الساعة العاشرة صباح يوم الخامس عشر من ديسمبر 1919 عندما كان يوسف وهبة باشا رئيس الوزراء فى سيارته قاصدًا ديوان المالية، وخلال مروره فى شارع سليمان باشا قبالة النادى الإيطالى، ألقى عليه أحد الشبان قنبلتين انفجرتا ولكنهما لم تصيبا السيارة، ولم يصب يوسف وهبة باشا بسوء، وتم القاء القبض على الشاب، فتبين أنه طالب مسيحى بكلية الطب وهو عريان يوسف، وقد اعترف بأنه كان يريد، كمسيحى، اغتيال رئيس الوزراء، عميل الاستعمار، حتى لا يدان المسلمون ويقال إن الدافع للقتل دينيًا، ومن ثم يتم تشويه الحركة الوطنية وضربها كما يريد الاحتلال.
وقد كتب عريان يوسف عن تلك المحاولة في مذكراته فقال:

(وقيل إن سعيد باشا طلب عدم مجىء اللجنة، وإلا فإنه يستقيل، ولكن اللجنة غادرت إنجلترا فى طريقها إلى مصر. واستقال سعيد تنفيذًا لبرنامجه الذى أعلن فيه أن وزارته إدارية لا شأن لها بالسياسة.

وراجت إشاعة أن يوسف وهبة باشا "وهو الوزير المسيحى فى وزارة سعيد" سيؤلف الوزارة، ولاحقتها إشاعة أخرى أن البطريرك أرسل إليه وفدًا من أعيان الأقباط يرجوه ألا يقبل الوزارة فى ذلك الظرف العصيب حتى لا يكون قبوله تأليف الوزارة التى تستقبل لجنة ملنر على رغم إرادة الأمة سببًا فى سوء الظن بالأقباط وإيقاع الفرقة بين العنصرين.

وخشى الناس أن يعتدى على يوسف وهبة باشا كما اعتدى على محمد سعيد باشا فيقال إن المعتدى عليه مسلم إن لم يقبض عليه، وأنه اعتداء الباعث عليه هو الدين، ومن ثم تشوه الحركة الوطنية، وتظهر فيها مسألة الأقلية والأكثرية وهى بغية الاستعمار ومحط أمله يتخذ من حماية الأقلية سببًا لبقائه وبقاء الاحتلال.

حدثتنى نفسى: لقد جاء وقتك، ولكن الحديث مخيف كالمغارة الموحشة.

إن البلاد قادمة على خطر محدق، هذا مسيحى يرأس الوزارة والشعب ثائر والتلغرافات تنهال كل يوم على رياسة الوزراء تطالب باستقالتها، والمظاهرات لا تنقطع تهتف بسقوطها، إذا دبر فرع من الفروع الاعتداء عليه وقعت الواقعة وقيل إن المسلمين اعتدوا على رئيس الوزارة لأنه مسيحى، ولكن لو أننى أنا أيضًا اعتديت عليه، وتمكنت من الهرب لما قيل غير ذلك؛ إذ لا يقوم دليل على أن المعتدى مسيحى، إذن لابد من أن أُسلم نفسى بعد الاعتداء، حتى يعلم العالم أن المعتدى ليس من المسلمين".

وتمت محاكمة عريان يوسف أمام محكمة عسكرية إنجليزية وحكم عليه بالأشغال الشاقة عشر سنوات، ثم تم الإفراج عنه ضمن من شملهم العفو فى عهد وزارة سعد باشا.)

ويضيف د محمد عفيفي :
بعد خروجه من سجن طره فى عام 1923 لم يتمكن من العودة إلى الجامعة لاستكمال تعليمه بسبب نشاطه السياسى السابق، فتم تعيينه فى مجلس الشيوخ وظل يعمل به حتى الخمسينيات عندما افتتحت جامعة الدول العربية أول مكتب لمقاطعة إسرائيل فى دمشق، فانتقل عريان يوسف للعمل فى هذا المكتب، وقبل سفره لدمشق حصل عريان يوسف على لقب "بك" فى عام 1951، واستمر بدمشق حتى عام 1957، ثم عاد إلى القاهرة وواصل العمل مع جامعة الدول العربية، وبعد عودته دخل فى مشروع تجارى لإنتاج الورق.

وبالإضافة لاهتماماته السياسية كان عريان يوسف بطلًا رياضيًا، وكان يمتلك مركبا شراعيا، وكان يمارس العديد من الرياضات لعل من أهمها "المشى" إذ كان يسير مسافات طويلة، فقد كان يسير من مصر الجديدة إلى وسط البلد بشكلٍ منتظم، كما كان يسير من القاهرة إلى الإسكندرية كل صيف ليلحق بزوجته وابنته فى إجازة الصيف. كما درس اليوجا وأدخل ممارستها لمصر، وترجم كتب عديدة عنها من بينها "فلسفة اليوجا" و"تمرينات اليوجا".
فضلًا عن ذلك كان عريان يوسف قارئًا متميزًا وكاتبًا أيضًا، فتنوعت قراءاته ما بين الفلسفة والدين والسياسة والأدب.

وفى الأربعينات كتب فى العديد من المجلات منها "مجلتى" و"مجلة السجون"، وكتب سلسلة مقالات فى "مجلة الشؤون الاجتماعية"، وكانت مقالاته تلك تغطى موضوعاتٍ شتى مثل: السجن، الفلاح، ملابس النساء، الشرق والغرب، الرأى الشخصى مقابل الرأى العام، التعامل مع الأمية، الانتاج الزراعى فى مصر، التعمير، الأبوة وغيرها من الموضوعات. كما ترجم الكثير من الأعمال الأدبية منها "كيم" لروديارد كيبلينج، و"جزيرة الكنز" لروبرت لويس ستيفنسون.