بقلم : جمال رشدي

من المحرمات الثقافية أن يتناول الكتاب والمثقفين وربما المتخصصين ذلك الملف ومعه معظم الملفات الطائفية، وهذا هو المطلوب من الذي يدير الأحداث خارجياً أن يصمت الجميع حتي تتحول المشكلة إلي أزمة مزمنة تكون اكبر من قدرات مؤسسات الدولة علي مواجهتها وتصبح جزء من التكوين الثقافي للمجتمع، كخراج ينزف في معدة المريض ويطلب الطبيب أن يتعايش المريض معه، ومع مرور الوقت تتآكل جدران المعدة وتضرب القرح كل ما في باطن المريض، ورويداً رويداً تزحف الإمراض الخبيثة والمزمنة علي كل أجزاء الجسم، لتتمكن وتسيطر عليه بعد أن تضعف المناعة وتنهار المقاومة حينئذ ينتظر المريض الموت حتي يتخلص من أتعابه.

 
هذا ما خطط له أعداء الوطن منذ سنوات طويلة، زرع ثقافة الانشقاق والتبعثر التي تقود إلي التباعد والانهيار، فالبداية كانت انتم ونحن وهؤلاء وهم ، وتلك هي لغة الانقسام التي دسها العدو في كلمات الأعراب لكي تترسخ وتصبح واقع لغوي لحياة المصريين .
 
ومن قد قررنا فتح الملف من كل أبعاده وزواياه في عدة مقالات، لنعري ذلك الملف أمام المسئولين والمتخصصين ومن ثم نصل إلي التشخيص السليم والعلاج المناسب .
عند تناول أزمة أو مشكلة لابد أن نحدد تاريخ حدوثها لكي يساعدنا ذلك في عملية الدراسة والتشخيص الصحيح ومشكلة اختفاء القبطيات مثله كمثل كل الأحداث الطائفية التي طفت علي السطح أثناء حكم الرئيس محمد أنور السادات، والتي كانت بدايتها بعد شهور من تجليس البابا شنودة الثالث على كرسي مارمرقس الرسولي، وكان السبب الواقعة الشهيرة المعروفة بـ”حادث الخانكة”، الذي وقع عام 1972، حينما أحرقت جمعية الكتاب المقدس في منطقة الخانكة؛ على خلفية أداء بعض المسيحيين الشعائر الدينية بها.
 
ولذلك فمن الضروري عدم فصل مشكلة اختفاء القبطيات عن كل المشاكل الطائفية، فهي جزء لا يتجزأ منها والحل ليس ببعيد عن كل الحلول المطروحة لكل تلك المشاكل، فالأمر لا يتعلق بسن تشريعات وقوانين وإصدار قرارات فقط بل يمتد إلي ما هو أعمق من ذلك، بتغيير ثقافات وسلوكيات ومفاهيم مغلوطة.
 
وهنا نضع أيدينا علي الأسباب والدوافع التي جاءت بتلك المشاكل وجعلتها قائمة ومستمرة إلي وقتنا هذا، دون أي تجاوب مع أطروحات ومقترحات عديدة لتناولها، ومحاولة الدخول بها داخل بوتقة الحلول لدي أصحاب السلطة والتخصص .
 
والسؤال لماذا ظهرت معظم المشاكل الطائفية علي السطح أثناء حقبة حكم الرئيس السادات، وهل كانت تلك المشاكل خارجه عن ارادة نظام حكمه بحيث لا يستطيع مواجهتها، ام هي من صنع نظام حكمه لاستغلالها سياسياً، هنا سنتناول بعض الأطروحات التاريخية لكي نستطيع استقراء الحقيقة كاملة والتي حتماً ستساعدنا علي السير قدما إلي طريق التشخيص والحل.
 
عقب وفاة الرئيس عبد الناصر المفاجئة خلفه نائبه أنور السادات في الرئاسة ، تبدو العلاقات بين الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل غامضة ، فالسادات في مذكراته يشير إلى صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير وليا لعهد المملكة العربية السعودية وكان السادات يعمل سكرتير للمؤتمر الإسلامي ويقول السادات أنه ظل صديقا للملك فيصل برغم حرب اليمن التي كانت مصر و السعودية خلالها في معسكرين متصارعين وكان السادات هو المسئول السياسي من الجانب المصري عن الثورة اليمنية ، كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم مستشار الملك فيصل ومدير المخابرات السعودية وهمزة الوصل بين المخابرات السعودية والمخابرات المركزية الأمريكية وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن.
 
كان لابد أن نشير علي ما كان عليه السادات قبل أن يصبح رئيساً في السطور السابقة، لان هناك تنسيق ثلاثي بين السادات وبين المخابرات الأمريكية وكمال ادهم علي تغيير الهوية المصرية، مع تمدد الأيدلوجية الدينية المتطرفة كمشروع أمريكي كبير يهدف إلي إيجاد أدوات قتالية سواء ثقافية أو تقليدية، لاستخدامها فيما وصلت إليه المنطقة العربية من إحداث منذ الربيع العبري في 2010 إلي وقتنا هذا، وفي سلسلة من المقالات سوف نتاول بالتفنيد المشاكل الطائفية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والدينية لنصل بمنشئة الله إلي طرح كامل علي شكل بحث متكامل الجوانب يساهم بقوة في التطرق إلي العلاج السليم لتلك المشكلات.