عادل نعمان
بمناسبة الحوار الدائر الآن فى مسلسل «الاختيار» حول عقيدة الجهاد وأحكامه وتطبيقه والشهادة وفضلها وكل ما دار من سجال بين الطرفين، أؤكد ما قلته مراراً والله على ما أقول شهيد، أن الحوار مع هؤلاء الإسلامويين، المقاتلين منهم والواقفين فى سوق الانتظار أو مدرجات المشجعين والمؤيدين على كل المستويات العلمية والاجتماعية والمادية، حوار بلا شاطئ أو مرسى، ضائع ومتخاذل ومنهزم، ولو راجعت مشايخهم جميعاً، الأموات منهم والأحياء، كباراً وصغاراً فى الغرف المغلقة، لاتفقوا على قتل المرتد وتارك الصلاة والزكاة وجهاد الكافرين ما استطاع المسلم القادر إلى ذلك سبيلاً، وهم متفقون جميعاً على مراحل الجهاد الأربع، الأولى: مرحلة الكف والإعراض والصفح والموادعة، والثانية: مرحلة الإذن بالقتال دون فرض حين قويت الشوكة، والثالثة: مرحلة الإذن بالقتال لمن قاتلهم واعتدى عليهم، والرابعة (نحن بصددها) قتال المشركين كافة «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد....». وهذه الآية هى آية السيف، والتى نسخت «ألغت» آيات الموادعة والمصالحة والعفو والصفح، والتى تُلزم المسلم بابتداء الكفار بالقتال ولو لم يبدأوه بقتال، وهو جهاد الطلب، ولو أنكرت طائفة من المسلمين جهاد الطلب هذا واستقر أمرها على ذلك لصارت «طائفة ممتنعة» عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ويجب قتالها كالخوارج، (ونحن هنا فى هذا الحكم). النصوص والأحكام واضحة حول عقيدة الجهاد لا خلاف عليها، والأحاديث والتأصيل الشرعى لما قام به الصحابة أمر قد تمكَّن منهم لا محالة، ولو دار الجدال على هذا الخط مع هذه الجماعات ما حادوا عنه قيد أنملة، بل النجاح العظيم لهذا الحوار على هذا النحو يصب فى مصلحتهم، ومال من سمع هذا الحوار من البسطاء والفقراء والجهلاء لهم ميلاً قليلاً، أما المرضى الذين يجدون فى العنف والبأس والقسوة نصيراً وعلاجاً، وصدورهم ظمأى للإثخان والفتك، فهؤلاء يميلون ميلاً شديداً، ولو كانت تربيتهم سوية وصالحة لما ذهبوا وما مالوا ناحية العنف، وهذا يدفعنا لمعرفة المعين والمصدر الرئيسى للفريقين، فقراء يحتاجون الرعاية والعمل، ومرضى يحتاجون للدواء والعلاج.

فلا مجال لخطاب العقل مع هؤلاء، أو فتح قنوات تستدر عطفهم، أو تُلين ضمائرهم، أو تُرقق قلوبهم، فقلوبهم غلف وموصدة ومصفحة، وعقيدتهم راسخة ثابتة عن علم الجهاد من شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان دون رخاوة، وعنصر الرخاوة أحد أسباب الفشل لأى عمل جهادى، ويستشهدون بنجاح الخلافة العباسية وفشل الآخرين بسبب القسوة والشدة والترويع والتخويف، ومنها نبش قبور الأمويين وصلب جثث خلفائهم، وكذلك الغلظة التى صاحبت الغزوات فى تاريخ الأوائل، وما صنعوه فى الناس على يد قادة الجيوش «فالعرب كانوا محاربين ويعرفون طبيعة الحروب، وهكذا فهم الصحابة أمر الشدة، وهم خير من فهم السنن بعد الأنبياء، حتى إن الصدّيق وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما مارسا التحريق بالنار على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهم بأثر الشدة المغلظة عند الحاجة (كتاب إدارة التوحش منهج كل الجهاديين)، وفيما قالوه: «وسواء استعملنا الشدة أو اللين فلن يرحمنا أعداؤنا إذا تمكنوا منا».

وأول محاور الحوار الركيك الضعيف أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ونؤكد أن الإسلام انتشر بالسيف لا خلاف، وإياك أن تغالط هذه الحقيقة وإلا سقط الحوار فى مستنقع المزايدة والمحاباة والمناقصة والتكلف، ولو قال بعضهم إن الإسلام انتشر بالدعوة كخطوة أولى ومن أبى جاهدوه بالسيف، لأن السيف منفذ للمصلحة، وإلزام الناس بأداء حق الله فى العبادة بالقوة، هى مراوغة مرفوضة، وتضليل مهين وظالم للدعوة ذاتها، الأمر واحد فى الحالتين، والحقيقة أن الإسلام انتشر بالسيف، وكانت الهجرة إلى المدينة بداية تحويل الخلاف بين المسلمين وقريش من خلاف عقائدى إلى خلاف سياسى يحسمه السيف والقتال، وكان الوسيلة الوحيدة لإنهاء النزاع بين الأطراف، هل كان ضرورة؟ ربما. ولم يكن الأمر مطلوباً ولم يكن منهجاً مقبولاً للدعوة بعد وفاة صاحب الوحى والدعوة، إلا أن حروب مانعى الزكاة (وأطلقوا عليها خطأ حروب الردة) قد خلقت جيوشاً جرارة بالآلاف، ومقاتلين ومحاربين أقوياء أشداء، أدمنوا القتال، ولم يكن مقبولاً عودتهم للمدينة بعد أن ذاقوا حلاوة الغنائم والسبايا والسطو ونعمة الحصول على ثروات الغير وغنائمه دون عمل اللهم قتله وغزوه، وأتصور أن حكمة أولى الأمر قد فرزت الأمر جيداً وحوّلتهم إلى ميادين القتال بديلاً عن العودة إلى المدينة، هروباً من عبء لا فكاك منه، وقلاقل قادمة لا محالة، وقد حاولوا تأصيل هذا الغزو تأصيلاً شرعياً، تحت مسمى فتح إسلامى أو جهاد لنشر الإسلام، إلا أنه كان غزواً واحتلالاً وسلباً بغير حق، عقيدة الجهاد سارت مسار البداوة، وخالفت المسار الإلهى للدعوة يقيناً وأكيداً، هؤلاء قد قالوا بالحرف الواحد: «العلم الذى لا يصل إلى التصديق الجازم ولا يطابق الواقع لا يسمى عقيدة».. الأسبوع المقبل.
نقلا عن الوطن