د.ماجد عزت إسرائيل  

حقا.......هل كلنا بيلاطس البنطي؟ هناك من ينظر إلى بيلاطس البنطي (26 – 36م) ويدافع عنه لأنه كان يريد أن يطلق الرب يسوع، ولا يريد أن يوقع قرار صلبه؟ بدليل أنه جلد يسوع المسيح طبقاً للقانون الروماني. ومن الجدير بالذكر أن الرومان لم يستخدم عقوبة الجلد مع مواطنيهم الرومان بل مع شعوب البلاد التى احتلوها فقد كانت جلداتهم قاسية للغاية تحدث آلامآ مبرحة لهذا احتج الرسول بولس حينما جلدوه، لأنه بجانب أنه يهودى كان يتمتع بالجنسية الرومانية لولادته فى طرسوس كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ.أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا»." (أع 16: 37).
 
 هل حقا كان بيلاطس البنطي يريد أن يطلق الرب يسوع ولذلك ذكر لليهود قائلاً:" "فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ»." (لو 23: 16)، ولهذا نفذ معه عقوبة الجلد كاملة بدلآ من الصليب.
 
لقد جلد الرب يسوع جنود رومانيون لا يتبعون معه القانون اليهودى حيث حددت  الشريعة اليهودية ألا يزيد العدد عن أربعين جلدة ولكى يطمئن اليهود إلى هذا كانوا يكتفون بتسع وثلاثين جلدة تاركين واحدة لاحتمال الخطأ فى العدد، لأنهم كانوا يخافون أن يسهوا فى جلده فتزيد الضربات عن( 40) وبهذا يكونوا قد خالفوا أمر الشريعة التى نصها" فَإِنْ كَانَ الْمُذْنِبُ مُسْتَوْجِبَ الضَّرْبِ، يَطْرَحُهُ الْقَاضِي وَيَجْلِدُونَهُ أَمَامَهُ عَلَى قَدَرِ ذَنْبِهِ بِالْعَدَدِ. أَرْبَعِينَ يَجْلِدُهُ. لاَ يَزِدْ، لِئَلاَّ إِذَا زَادَ فِي جَلْدِهِ عَلَى هذِهِ ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً يُحْتَقَرَ أَخُوكَ فِي عَيْنَيْكَ. ( تث 25 : 2 - 4 ).
 
 وعلى الرغم من الجلد لم يستطع بيلاطس البنطي أن يطلق السيد المسيح بسبب إصرار اليهود على صلب السيد المسيح، وأن يطلق باراباس، وقد حاول أن يثنيهم مرة تلو الأخرى، ولكن دون جدوى. كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: " مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:«إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!»."(يو 19: 12).
 
هل حقا كان بيلاطس البنطي يريد أن يطلق الرب يسوع المسيح؟
ربما اعتقد أن البنطي كان لا يريد أن يطلق الرب يسوع بدليل أنه كتب في مخطوطته بالتصديق على الحكم قائلاً: "أنا بونتيوس بيلاطس، الحاكم الروماني حكمت وانتقدت وأدنت حتى الموت بصلب يسوع، الذي تحدثت عنه الجموع وهو من أرض الجليل، وقد ادين حسب شريعة موسى... فقد هدّد بتدمير الهيكل المقدس لليهود، ورفض ضريبة قيصر، والجرأة التى دخل بها مدينة القدس وهو منتصرا .. ".
 
 على أية حال، في قصة الخلاص لابد أن يموت أحدهما،إذ كان لابد من أن يحكم على الرب يسوع بالموت لكى يفلت الأثيم الفاجر "الذي يمثل الإنسان الخاطىء" من الهلاك الأبدي. جلسة محاكمة السيد المسيح أعجب محالكمة في تاريخ البشرية كلها.
 
حيث نتسأل هل حدث في التاريخ كله أن القاضى يحكم في نفس الجلسة على الشخص بالبراءة والإعدام في نفس الوقت؟ وبعدما الحكم بالإعدام غسل يديه حيث ذكر لنا الكتاب المقدس قائلاً: "فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!»."(مت 27: 24).
 
لو قُدّر لأحد أن تنكشف عن عينيه ورأى الذين في الجحيم أو جهنم الأبدية، سوف يرى بيلاطس البنطي مازال يغسل يديه، ويداه ملآنة دماء ولن تطهر إلى الأبد لأن هذه الجريمة لا يغسلها ماء؛ بل تغسلها التوبة أو التراجع عن الشر. وكأن القاضي نطق بالحكم قائلاً:"...حكمت المحكمة ببراءة فلان.. وإعدامه صلبا"!. فالسيد المسيح برئ من جهة بره الشخصي، ويحسب خاطئًا لأن الآب وضع عليه إثم جميعنا حسبما هو مكتوب "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ." (2 كو 5: 21).
 
حقا.......هل كلنا بيلاطس البنطي؟ للأسف الشديد من وقت لآخر نرى مواقف سواء داخل الكنيسة أو خارجها أو في الحياة العامة، تعبر عن ذات موقف بيلاطس البنطي من قضية يسوع المسيح..... فعلى الرغم من رسالة يسوع المسيح التى مضمونها المحبة والسلام، ومعجزاته مع عامة اليهود، وأيضًا رسالة زوجة البنطي له لحظة الحكم لإيمانها ببراءة يسوع. إلا أنه خرج إلى الجميع ".وأَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!».
 
بالحق نقول كم مرة يحدث ذلك كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام؟ حيث نحكم على شخص بالبراءة مع العلم أنه مجرم ... ونحكم على شخص آخر برئ بالإعدام.
 
علينا مراجعة ضمائرنا قبل مراجعة ونتتذكر ما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "..... فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!"(مت 6: 23)..وأيضًا "... لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ.لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟" (1 كو 10: 29). وكذلك"لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ." (2 كو 1: 12).ونتسأل..... حقا.......هل كلنا بيلاطس البنطي؟ للحديث بقية طالما في العمر بقية.