9 -صلوات الإفخارستيا والقداس اليوم ومقارنتها بالصلوات المماثلة في العهد القديم
كمال زاخر
فى ضوء مفهوم العهد القديم فى المسيحية يقترب الكاتب من نصوصه، فى دائرة الإفخارستيا، ينقب ويبحث فى منظومة صلوات ذاك العهد، سواء صلوات الهيكل أو صلوات المجمع اليومية أو صلوات الشعب العامة "التى تتلى فى البيوت على الولائم الرسمية" ثم يذهب "لأخر صورة من هذه الصلوات كما صلى وسبَّح بها المسيح داخل المجمع وعلى العشاء الأخير".

ويحدد الكاتب الغرض من المقابلة بين تلك الصلوات وبين صلوات الكنيسة اليوم وطقوسها هو التأكيد على "ان الأساس الإلهى الجديد يبقى شامخاً بالمسيح، عميقاً بسر الصليب، متسعاً بالنعمة، حياً بالروح".

وتحت عنوان "مضمون الصلاة فى العهد القديم" يكشف الكاتب عن أنها فى مجملها يمكن ادراجها تحت نوعين من الصلاة ، "يكونان الهيكل العام لصلاة الإفخارستيا"، وهما :

ـ "صلاة البركة" (بالعبرية "براخوث"، وترجمت فى السبعينية "أولوجية" ـ وتقوم على عنصر الشكر والتسبيح والتمجيد) وهى تحوى مباركة الله، وتقوم على أساس العهد القديم، ومضمونها مأخوذ من كلمة الله المنطوقة بفمه، ومقدمة على أساس الطاعة المطلقة لله، وتكون برفع الأيدى.

ـ "وصلاة التضرع" (بالعبرية "تفلاه" وهى تقترب من معنى الشفاعة وكلها توسل)، وتقوم على اساس ارتباط تعهدى مع الله فى علاقة تبعية له، والأمر المتضرع عنه هو على اسم الرب، والتضرع يقوم على أساس التوبة، برجوع القلب إلى الله، والتوبة نفسها قائمة على أساس الإعتراف باسم الرب، وتكون بصراخ وتذلل وركوع وسجود أمام الله. ويورد صلاة لسليمان كمثال لهذا، وردت فى سفر ملوك الأول، ويرصد فيها قوله "اسمع صلاة عبدك وتضرعه"، أى أن صلاة البركة (أو تمجيد الله) لابد أن تسبق صلاة التضرع والتوسل والسؤال.

وهذا الترتيب الطقسى لا يزال متبعاً بحرفيته فى كل صلاة تقام فى الكنيسة حتى اليوم !.، واللافت أن صلاة البركة والتضرع كانتا لا تقدمان بصورة طقسية إلا ويُرفع معهما بخور أمام الله "لتستقم صلاتى كالبخور قدامك" (مز2:141)، لأنه توجد علاقة سرية بين الإثنين، أى بين البخور والصلاة. هذه العلاقة ظلت قائمة منذ العهد القديم حتى سفر الرؤيا ـ أى الصلاة فى السماء (رؤ 8:5).

ويكتشف القارئ أن كلمة "بركة" ليست عربية، بل هى نطق عربى لكلمة "بيرخ" الفعل من الكلمة العبرية "براخوث"، التى بقيت بدون ترجمة، ويرى الكاتب "أن الحاجة ماسة جداً لفهم كلمة "بركة" فهماً كتابياً ولاهوتياً صحيحاً، حتى تتنقى العبادة عموماً من شوائب كثيرة، ويتعدَّل ميزان التقدير الروحى فى العلاقات مع الله ومع الناس، إذ لابد أن يتبدد المفهوم الخاطئ الذى يحيط بهذه الكلمة من جهة التفاؤل والتشاؤم، والاستسلام للقضاء والقدر، والتعلق بمفهوم الحظوظ، وعمل السحر واستخدام الأحجبة والطواطم"، وقد استخدم الرب كلمة "بارك" فى صلاته على الخبز والخمر وكذلك الكنيسة فى صلوات القداس الإلهى" ويتسائل الكاتب (ما هو المعنى الروحى لكلمة "بركة" وما هو فعلها؟، وما هى القوة التى تلازم البركة؟، هل هى قوة سرية أم هو تأثير خفى، أم هو فعل مادى؟).

ويواصل (ثم كيف يباركنا الله؟، وكيف يجوز أن نبارك الله؟، وكيف نبارك نحن الناس، وكيف يبارك الله الأشياء، وكيف نبارك نحن هذه الأشياء؟).
وتتوالى اجابات الكاتب بتدقيق نستعرضه فى الحلقة القادمة.