محمد طه
- هات مجرم.. وخلي ليه قضية هو مؤمن بيها وبيدافع عنها.. الناس هاتتعاطف معاه.
- هات نصاب.. وادي الناس فكرة عن طفولته البائسة وصعوبة أو قهر حياته الحالية.. الناس هاتحبه.
- هات واحد سوابق.. وحط حواليه إطار من الكوميديا والتشويق والإثارة.. الناس هاتعمل منه بطل..

مش أول مرة يتعاطف المشاهدون مع مجرم أو عصابة.. ده بيحصل من زمان جداً فى أعمال درامية كتيرة جداً..

فى المسلسل ده (اللى زى ما يكون النسخة المصرية من لا كازا دى بابل).. الناس تعاطفت مع مين بقى: مع مرتشى.. ومبتز.. ونصابة.. وسكير.. وهاكر.. ومجموعة أخرى من المجرمين.. ايوه انت قريت صح..

السؤال بقى.. ليه بيحصل التعاطف ده؟

مش عاوز أقول نظريات وتحليلات علمية معقدة.. خلينى أجيبلك من الآخر..

ببساطة شديدة.. ومن غير ما تتخض.. احنا بنتعاطف مع شبه كل ده جوانا.. يعنى كل واحد فينا فى الحقيقة بيتعاطف مع المجرم اللى جواه.. والحرامى اللى ممكن يكونه فى يوم من الأيام.. والنصاب اللى مستخبى فى أحد أركان شخصيته..

دى مش حاجة خاصة بناس بعينهم أو بمجتمع معين.. دى حاجة عامة بتحصل فى كل أنحاء العالم..

إيه الكلام الغريب ده؟

كل مخلوق بشرى فيه جانب مظلم من شخصيته.. جزء مختفى مختبئ داخل سراديب نفسه.. جزء هو نفسه مايعرفش إنه موجود.. عالم النفس العبقرى كارل جوستاف يونج بيسمى الجزء ده (الظل) Shadow..

الظل ده بقى فيه كل البلاوى السودا اللى مش ممكن تتخيلها.. فيه اندفاعاتك.. نزواتك.. رغباتك.. فيه الأنانية والشح والبخل.. فيه الغضب والتدمير والقتل.. فيه السرقة والنصب والخيانة..

الجزء ده فيه التجسيد الحى للفجور المذكور فى الآية الكريمة: "فألهمها فجورها وتقواها".. ده موجود عندنا كلنا.. بعضنا واعى بوجوده وبيجاهده.. بعضنا مش واعى بوجوده وبينكره.. وبعضنا بيعيشه ويمارسه ويحققه كما هو..

تصور بقى حد يخرج منك كل امكاناتك المكبوتة.. ويداعب كل خيالاتك الجامحة.. ويجمّلك ويحليلك كل مصائبك الداخلية. يعمل ليها قضية تدافع عنها.. يكشف لها ماضى من البؤس أو حاضر من القهر.. يضيف عليها شوية كوميديا وإثارة.. ماتتعاطفش ليه إن شاء الله..

فيه صورة بدائية شهيرة عايشة ومتوارثة فى عقلنا الباطن كلنا وعلى مر كل العصور.. اسمها (البطل الخارج عن القانون).. الصورة دى بتجمع كل مكونات الshadow وبتخليه كمان بطل.. وليها أمثلة كتيرة فى الدراما.. من أول (روبن هوود).. لغاية (على الزيبق).. و(الأسطورة).. و(البروفيسور).. وغيرهم.. وكلنا بنتعاطف معاهم.. لأنهم بيمثلوا الجزء الخفى المظلم من شخصياتنا الحقيقية.. الحكاية دى ليها تطبيقات كتيرة أوى..

طب هانعمل إيه فى الshadow اللى جوانا ده؟ نخلص منه ازاى؟ نوديه فين؟

لا خالص..
مش مطلوب تخلص منه.
بالعكس.. المطلوب انك تقبله.. تقبله مش بمعنى تستسلم ليه أو تنفذ ما يمليه عليك.. لأ.. تقبله يعنى تسلط الضوء عليه.. وتشوفه.. وتعترف بوجوده.. وتوقن إنه جزء أصيل من تركيبتك الطبيعية..ثم تبدأ فى جهاده وتجاوزه والتسامى فوقه.. بيسموا ده Integration of the shadow.

لو اتخانقت معاه.. يبقى بتتخانق مع نفسك.. ومش هاتوصل لحاجة..
لو استسلمت ليه.. يبقى تحولت لأسوأ صورة ممكن تتخيلها عن نفسك..
لكن لو قبلته.. تبقى بجد زكيت نفسك.. وكسبتها.. "قد أفلح من زكاها"..
مش دفنت جزء منها، ودسيته.. واديتله الفرصة انه يمارس وجوده من ورا ضهرك.. "وقد خاب من دساها"..

مش عاوز أبوظ المسلسل الكوميدى عليكم (واللى ماعنديش أى مشكلة فى مشاهدته والاستمتاع بيه). بس لقيتها فرصة نتعلم ونفهم عن نفسنا حاجة مع بعض..

المرة الجاية وانت بتقول: "الحمدلله.. قدروا يسرقوا البنك".. استنى شوية.. واسمع نفسك تانى.. وشوف انت بتتعاطف مع مين؟ وليه؟
واقبل الshadow بتاعك من سكات :)