سليمان شفيق
احتفل العالم  امس الجمعة بعيد عمال غير مسبوق بسبب جائحة فيروس كورونا الذي تسبب الفيروس الذي في أزمة اقتصادية واجتماعية ووفاة 230 ألف شخص في العالم، وفي ظل هذة الظروف دعت النقابات لأشكال جديدة من التعبئة، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في صمت مطبق بالمدن، إذ تغيب فيه المظاهرات والتجمعات، بسبب فرض جائحة فيروس كورونا لنمط حياة جديد، رغم تخفيف الحجر الصحي في بعض الدول.

كانت بداية عيد العمال يوم 21 ابريل 1856 في أستراليا، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث طالب العمال في ولاية شيكاغو عام 1886 بتخفيض ساعات العمل اليومي إلى ثماني ساعات، وتكرر الطلب في ولاية كاليفورنيا. وفي تورونتو الكندية حضر زعيم العمال الأميركي بيتر ماكغواير احتفالا بعيد العمال، فنقل الفكرة وتم أول عيد للعمال في الولايات المتحدة الأمريكية تم الاحتفال به في 5 سبتمبر 1882 في مدينة نيويورك. أثمر نضال العمال في كندا قانون الاتحاد التجاري الذي أعطى الصفة القانونية للعمال ووفر الحماية لنشاط الاتحاد عام 1872.

وفي يوم 1 مايو من عام 1886 نظم العمال في شيكاغو ومن ثم في تورنتو إضرابا عن العمل شارك فيه ما بين 350 و 400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع" ، الأمر الذي لم يَرق للسلطات وأصحاب المعامل خصوصا وأن الدعوة للإضراب حققت نجاحا جيدا وشلت الحركة الاقتصادية في المدينة، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً منهم، ثم ألقى مجهول قنبلة في وسط تجمع للشرطة أدى إلى مقتل 11 شخصا بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحُكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة. وعند تنفيذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة كانت زوجة أوجست سبايز أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام تقرأ خطابا كتبه زوجها لابنه الصغير جيم "ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء، وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بابيك وتحكى قصته لأصدقائك" وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.

بعد وفاة عمال على أيدي الجيش الأميركي فيما عرف بإضراب بولمان عام 1894، سعى الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند لمصالحة مع حزب العمل، تم على إثرها بستة أيام تشريع عيد العمال وإعلانه إجازة رسمية. بقي غروفر قلقا من تقارب اليوم الدولي للعمال مع ذكرى هايماركت في 4 مايو 1886 حيث قتل أكثر من 12 شخصا حينها، وجاء إضراب شيكاغو ضمن سلسلة إضرابات نظمت في عدد من المدن الأميركية يوم الأول من مايو1886 تحت شعار "من اليوم ليس على أي عامل أن يعمل أكثر من ثماني ساعات"، وبلغ عدد تلك الإضرابات خمسة آلاف إضراب وشارك فيها نحو 340 ألف.

تجاوزت قضية هايماركت أسوار أميركا وبلغ صداها عمال العالم، وأحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889، وتمت الدعوة لمظاهرات دولية لإحياء ذكرى هايماركت عام 1890، وفي العام الموالي اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثا سنويا. وفي عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية وخاصة الاشتراكية منها في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول. وفي عام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية الأول من مايو عيدا للعمال، واعتبرت القديس يوسف بارا أو يوسف النجار شفيعا للعمال والحرفيين، فيما سارت الولايات المتحدة على تقليدها القديم، واعتبرت أول يوم اثنين من شهر سبتمبر من كل عام عيدا للعمل، وكذلك الأمر في كندا.

هكذا فأن عيد العمال رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها.

في مصر نظم الحزب الاشتراكي للاحتفال  بأول عيد للعمال بدأ فى 1924، حيث  نظم عام 1924 عمال الإسكندرية احتفالاً كبيرًا فى مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ثم ساروا فى مظاهرة ضخمة.

مع وصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للسلطة  تم استيعاب الحركة العمالية وتحول الاحتفال الي عيد رسمي ، وفى عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يلقى فيها رئيس الجمهورية خطابًا سياسيًا أمام النقابيين وقيادات العمال.

وفي العالم هذا العام لن يقام أي تجمع تقليدي بهذه المناسبة التي تعد يوم عطلة رسمية في عدد كبير من دول العالم (مع استثناءات مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا). وهذا الأمر غير مسبوق في تاريخ  الحركة العمالية ووفق فرنسا 24 ، ووفق ما نقل عن عدة نقابات فرنسية، سيحاول العمّال بذلك التذكير بأهمية عمل أشخاص "مخفيين في مجتمعاتنا" على غرار العاملين في مجال الرعاية الصحية وموظفي المتاجر الذين "يواصلون العمل وفي أغلب الأحيان يخاطرون بحياتهم".

وفي تركيا، أوقفت الشرطة  امس الجمعة عددا من المسؤولين النقابيين الذين كانوا يتظاهرون في إسطنبول احتفالا بعيد العمال على الرغم من حظر الخروج إلى الشوارع بهدف منع انتشار جائحة كوفيد-19.

في الولايات المتحدة حيث عيد العمال ليس عطلة رسمية، قدّم أكثر من 30 مليون أمريكي طلبات للحصول على إعانات بطالة منذ منتصف مارس ، وهذا عدد قياسي.

وفي أوروبا، لم تتسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، لكن ملايين الموظفين في بطالة جزئية تسمح له بالحصول على مساعدات من الدولة في إطار برنامج أعدته لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة.

وتضررت اقتصادات الدول الأوروبية بشكل كبير. وجاءت الخميس سلسلة من الأرقام لتؤكد التوقعات القاتمة في القارة.

فقد أعلنت فرنسا أن إجمالي الناتج الداخلي تراجع لديها بنسبة 5,8% في الفصل الأول من العام الحالي، وكذلك إسبانيا بنسبة 5,2% وإيطاليا بنسبة 4,7%. وقالت ألمانيا إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بنسبة 13,2%. وفي منطقة اليورو، تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 3,8%، وفق المكتب الأوروبي للإحصاءات "يوروستات" الذي يحذر من أن الأرقام ستكون أسوأ في الفصل الثاني.

ولقد أودى مرض كوفيد-19 حتى اليوم بحياة ما لا يقلّ عن 230 ألف شخص في العالم منذ ظهوره .