كمال زاخر
6 ـ الإفخارستيا والإنسان الجديد
"الحياة الأبدية" مصطلح جديد نحته رب المجد يسوع، ليتصدر ابجديات الكنيسة، ومنه خرجت كل التعبيرات المرتبطة بالحياة؛ خبز الحياة، الخبز الحى، ويكشف المسيح أنه هو نفسه الخبز الحى، وحين يجتمع مع تلاميذه ليؤسس معهم عهداً جديداً يكشف لهم اسرار الملكوت، ويضع نقطة فى أخر سطر الذبائح الدموية، ويعطيهم خبز الحياة الذى هو جسده (أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلو المّن فى البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكى يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم.).(يوحنا 6 : 47 ـ 51)

فى هذا يقول الكاتب تعليقاً على هذا النص ؛ "يتدرج المسيح فى هذا القول بذكر الحقائق الآتية :
1. إن من يؤمن بالمسيح، ينال الحياة الأبدية، الذى يشرحه انجيل القديس يوحنا فى موضع آخر بقوله (الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامى ويؤمن بالذى أرسلنى فله حياة أبدية، ولا يأتى إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة) يو 5 : 24، وهذا فى الحقيقة هو حال الإنسان الجديد الذى سمع خبر البشارة، وآمن واعتمد للمسيح، ويكون هو الذى وُلد ثانية من فوق ومن الماء والروح، وصار مهيأً لدخول ملكوت الله حسب كلام المسيح لنيقوديموس "الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" يو 3 :5 و 6).

2. يعود هنا المسيح ويقدم نفسه باعتباره الخبز الحي الجديد الذى نزل من السماء لكى يأكل منه الإنسان ولا يموت بعد، بل يحيا إلى الأبد حتى وإن مات بالجسد، وواضح هنا أن الذى يغتذى بالمسيح هو الإنسان الجديد المخلوق جديداً "من فوق" و "من الماء والروح"، والذى خلقه المسيح فى نفسه بقيامته من بين الأموات ونلناه بالإيمان والمعمودية.

3. عاد المسيح وحدد بوضوح شديد كيغ سيعطى نفسه خبزاً ليأكل منه الإنسان الجديد ليحيا إلى الأبد بأن حدد أن الطعام الروحى للإنسان الجديد سيكون جسده الذى يبذله عن حياة العالم. وهنا يدخل المعنى فى تصوير مستيكى أى سرى شديد الشفافية، بمعنى أن المسيح سيُقدم جسده على الصليب ذبيحة حية مقدسة للآب عن خلاص العالم. وهذه الذبيحة الحية المقدسة لكى يتم عملها فى الإنسان، بإعطاء الخلاص والغفران والحياة والبر، يتحتم أن يأكل منها الإنسان لكى يكون شريكاً فى فعلها الإلهى السرى الفائق. ولكى يُعطى المسيح لكل إنسان الفرصة والحق ليأكل منها فى كل مكان وإلى مدى جميع الأزمان، قام يوم الخميس المبارك برسم طقس ذبح الجسد على العشاء الفصحى مع تلاميذه بأن أخذ خبزاً عادياً وشكر وبارك وكسر، وأعطى لتلاميذه برسم الجسد المكسورعلى الصليب يوم الجمعة قائلاً بسر رهيب: "هذا هو جسدى المكسور من أجلكم (على الصليب)، خذوا كلوا منه كلكم". ثم عاد وأخذ الكأس الرابع فى طقس عشاء الفصح الممزوج خمراً وماءً، وشكؤ وبارك وأعطاه لتلاميذه قائلاً: "هذا هو دمى المسفوك من أجلكم (على الصليب)، اشريوا منه كلكم".

ويؤكد الكاتب الدخول فى عهد جديد مع الله وثقه المسيح عبر هذا الأكل والشرب الفصحى من جسده ودمه كعهد ابدى معنا بقوله "من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية، وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" "لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق"، والحق هو ما لا يتغير ولا يزول، والله وحده هو الذى لا يتغير ولا يزول، وعليه فالذى يأكل الجسد ويشرب الدم الكائن بالقوة الإلهية فى سر الخبز المكسور والخمر الممزوج إنما يأكل الحق ويشرب الحق، فتكون له الحياة الأبدية، اتساقا مع قول المسيح "من يأكلنى فهو يحيا بى" وهو ما استوعبه بولس الرسول بقوله "لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" غلاطية 2 : 20.

وينتهى الكاتب إلى أنه فى سر الإفخارستيا "يخرج المؤمنون متحدين فى شركة معاً ومع المسيح :"كأس البركة التى نباركها، أليست هى شركة دم المسيح؟ الخبز الذى نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعاً نشترك فى الخبز الواحد"(1كو 10 : 16 و 17).
يبقى ان نستعرض معاً ابواب الكتاب ، والتى تبدأ بالإقتراب من "الينابيع الأولى للأفخارستيا".