المعرض مثل طائر له جناح تسويقي وجناح فكري
من تاريخ المعارض في مصر :

سليمان شفيق
كتبت الصحف في فينا 1873 :
(:"المعرض المصري في فينا ينشر كتب ويعقد محاضرات مما يحقق الثقافة في مصر ونجاح الطباعة.")

وكتبت الاهرام 1946 :
(ولم يكن للمعرض غرض تجاري، بل كان عرضًا لتاريخ الكتاب العربي المطبوع من بداية الطباعة حتى عهد الملك فاروق، كأنه متحف مؤقت لعرض تاريخ الطباعة، فكان فيه قسم للمطبوعات الأوروبية، وقسم للمطبوعات الشرقية، وقسم محمد علي، فيه الكتب المطبوعة في عهده، وقسم إسماعيل باشا، وقسم الملك فؤاد، وقسم الملك فاروق، واشتركت كذلك دور النشر الكبرى مثل دار المعارف، وعرضت تاريخها في خدمة الكتاب العربي.)

في وصف حالتنا :
انتظرت ان ينتهي معرض الكتاب بسلام ، لكي اكتب مساحة التغيير الذي حدث بين المعارض التي حدثت من قبل وبين حالة المعرض في السنوات الاخيرة ، وقبل كل شئ اقدر واحترم كل الكتاب والناشرين والمسئولين عن المعرض بشكل او بأخر بما في ذلك الجنود المجهولين من رجال الامن الذين وصلوا بالمعرض الي بر السلام .

منذ ان ادخل محمد علي الطباعة في مصر 1822 ، كان الاهتمام بمطبعة بولاق يعكس الازدهار
في الطباعة والثقافة ، لكن مطبعة بولاق  مرت في عهد الخديو عباس الأول والخديو محمد سعيد بكبوة  ولكن الخديوي إسماعيل أعاد الاهتمام بمطبعة بولاق مرة أخرى، وقرر المشاركة بمطبوعات بولاق في المعارض العالمية.

وفي اضاءات كتب التاريخ «غير المروي» لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الاستاذ عبد الفتاح جمال الدرعمي :

كان أول معرض تشارك فيه مصر بمطبوعاتها معرض باريس سنة 1867م، شاركت فيه مطبعة بولاق، ومدرسة المدفعية، ومدرسة الطب، والأزهر الشريف، وكان إجمالي الكتب التي شاركت بها مصر 254 كتابًا في الفقه والتصوف واللغة والطب والعلوم الحربية وغيرها من المجالات. وحصلت مطبعة بولاق على الميدالية الفضية استحسانًا لمطبوعاته.

ومعرض باريس معرض سنوي عام غير مخصص لمجال بعينه، وكان لمصر قسم خاص مستقل عن قسم الدولة العلية العثمانية بالرغم من تبعيتها لها، كان مصممًا على الطريقة الفرعونية، وقد حضره الخديو إسماعيل ثم شاركت مصر بعد ذلك في معرض فيينا بالنمسا سنة 1873م، بجانب عرضها للورق المُصنَّع في مصر، وقدمت مصر ندوة في المعرض عن الطباعة والثقافة في مصر ، وكانت تلك هي البداية لادراك جدل العلاقة بين النشر والفكر في مصر، وكتبت الصحف في فينا :"المعرض المصري ينشر كتب ويعقد محاضرات مما يحقق الثقافة في مصر ونجاح الطباعة."
 
بداية المعارض الوطنية:
اول معرض وطني للكتاب  في مصر وطني في أوائل 1893م، حيث اقامة بعض تجار الاسكندرية و فمولته الحكومة بألف جنيه ودفعت بلدية الإسكندرية 400 جنيه، وافتُتح المعرض في 22 أبريل 1894م، وكان معرضًا للمطبوعات عمومًا وليس للكتب فقط، شاركت فيه مطبعة ديلوسترولوجو ببورسعيد، ومطبعة لاجوداكيس بالإسكندرية، ومطبعة خروزان أخوان بالمنصورة، ومطبعة محمد مسعود، ومطبعة البورصة، ومطبعة لاروكا، ووزعت فيه الجوائز على المطابع لجودة الطباعة والتجليد.

من معرض الاسكندرية الي معرض فرانكفورت :
تتشابه نشأة معرض الإسكندرية مع نشأة معرض فرانكفورت بألمانيا في القرن الخامس عشر، وهو أقدم معرض للكتب في العالم، فكلاهما كان بمبادرة من التجار، لكن يبدو أن دعم الحكومة المادي لهذا المعرض أدى لإهماله مبكرًا عند إهمال الدولة له، ويبدو أن هذا الإهمال كان متعمدًا إذ لم تشارك مطبعة بولاق – وهي المهيمنة على الطباعة في ذلك الوقت – أو المطابع الأميرية التابعة للحكومة في هذا المعرض، فضلًا عن الظرف السياسي الذي كانت تمر به مصر في هذا الوقت، وقد كانت حديثة عهد بالاحتلال الإنجليزي.

ولم يرد في المصادر ذكر لمعارض وطنية أخرى للكتب إلا عام 1946م، وهذه الفجوة الكبيرة جدًّا بين التاريخين (1894 : 1946) لا بد أن يكون أُقيمت فيها معارض وطنية للكتب، لأن فكرة المعارض لم تكن غائبة عن مصر طوال هذه المدة، لاسيما معارض الفن (الرسم والتصوير) – وقد كان للقاهرة معرض فني سنوي – والمعارض الحرفية والصناعية.

أما معرض سنة 1946 فقد أقامته وزارة المعارف وجعلت اسمه «معرض الكتاب العربي». أقيم المعرض في 30 يونيوان سنة 1946 بدار الجمعية الزراعية الملكية بالجزيرة لمدة أسبوع، وكان الغرض من إقامته التعريف بعدة موضوعات، منها: تطور حركة التأليف من بداية النهضة الحديثة حتى وقت المعرض، وتطور الطباعة منذ إنشاء مطبعة بولاق، وتطور الصحف منذ قيام الصحافة في مصر، وتطور الكتاب المدرسي من حيث موضوعه وطبعه.

ولم يكن للمعرض غرض تجاري، بل كان عرضًا لتاريخ الكتاب العربي المطبوع من بداية الطباعة حتى عهد الملك فاروق، كأنه متحف مؤقت لعرض تاريخ الطباعة، فكان فيه قسم للمطبوعات الأوروبية، وقسم للمطبوعات الشرقية، وقسم محمد علي، فيه الكتب المطبوعة في عهده، وقسم إسماعيل باشا، وقسم الملك فؤاد، وقسم الملك فاروق، واشتركت كذلك دور النشر الكبرى مثل دار المعارف، وعرضت تاريخها في خدمة الكتاب العربي.

معرض 1948 :
وفي 20 فبراير عام 1948 أقامت وزارة المعارف معرضًا للكتب المطبوعة سنة 1947م، وهو معرض ملحق بمهرجان الشباب الأدبي وكان مقره بدار خدمة الشباب – شارع سليمان باشا (طلعت حرب حاليًا) – واستمر المعرض عشرة أيام. وفي هذه الدار نفسها أقيم معرض الكتاب للطفل والناشئ في 12 مايو 1948 وهو أول معرض من نوعه في مصر، قسم إلى أربعة أقسام: (روضة أطفال – ابتدائي – ثانوي – مراجع)، وضع في كل قسم ما يلائم مستواه من الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية والأمريكية، وعقدت عدة محاضرات فكرية حول الطفل في مصر، اي ان المعرض التقط فكرتة الرئيسية وحولها الي محاضرات لربط التجاري بالثقافي .

وفي 19 نوفمبر أقامت دار الكتب معرضًا للكتاب بمناسبة مهرجان محمد علي الكبير، عرضت فيه كتبًا عن حياة محمد علي بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وعرضت فيه أوائل مطبوعات مطبعة بولاق في مختلف العلوم، أقيم المعرض في الطبقة العليا من مبنى دار الكتب بباب الخلق، وعقدت محاضرة حول محمد علي الكبير.
 
وكما كانت تقام أيضًا معارض إقليمية لتقريب الكتاب لغير مرتادي القاهرة، ففي العام نفسه أقامت دار المعارف معرضًا لكتبها تحت إشراف مؤسسة الثقافة الشعبية، الأول في مركز طنطا الثقافي بدأ في 1 ديسمبر واستمر عشرة أيام، والثاني في المنصورة بدأ في 15 يناير 1950 واستمر أسبوعًا.
وقد كانت لدار الكتب المصرية أربعة معارض دائمة: معرض الخزانة التيمورية، ومعرض الأوراق البردية، والمعرض الإيراني والمعرض العام، ولم يكن لهذه المعارض غرض تجاري، ولم تكن كذلك مقتصرة على الكتب المطبوعة فقط، فقد كان يعرض فيها مصاحف ومخطوطات ولوحات لمشاهير الخطاطين والرسامين، ومجموعة من النقود الإسلامية، ومحاضرات فكرية .

وبعد يوليو 1952 كثفت دار الكتب معارضها الداخلية، وأقامت معارض خارجية بلغت عام 1962 ثمانية وخمسين معرضًا، وعام 1963 واحدًا وثمانين معرضًا، كانت تقام في المناسبات الدينية والوطنية والعربية أو تذكارًا لبعض مشاهير مصر والعالم العربي والإسلامي.
 
نواة معرض القاهرة الدولي:
في ديسمبر1960 أقامت منطقة الفيوم التعليمية معرضًا للكتاب عنوانه «أسبوع الكتاب العربي»، اشتركت فيه دور النشر مثل دار المعارف ومؤسسة المطبوعات الحديثة، ودار نهضة مصر وغيرهم، وأقيمت في هذا الأسبوع ندوات ثقافية، وكانت تكلفة هذا المعرض 150 جنيهًا فقط، ويبدو أن نجاح الفكرة أغرى وزارة الثقافة لتعميم الفكرة في أنحاء الجمهورية.

أما معرض القاهرة الحالي فتعود فكرته كما يروي د. ثروت عكاشة، وزير الثقافة، إلى اقتراح قدمه الفنان عبد السلام الشريف إليه بضرورة إنشاء معرض دولي للكتاب في مصر، يقول د. ثروت: «فاتصلت بسوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزج، وأرسلت مندوب وزارة الثقافة الأستاذ إسلام شلبي للتمهيد إلى إقامة معرض شبيه به على النطاق العربي»، وكانت الدكتورة سهير القلماوي مكلفة بالإشراف على الدورة الأولى لهذا المعرض، وشارك في المعرض 27 دولة، وأكثر من 400 دار نشر، وزاره أكثر من سبعين ألف زائر، واستمر المعرض عشرة أيام فقط وكانت فعاليات المعرض في إطار الاحتفال بالعيد الألفي لمدينة القاهرة ، واقيمت الندوات بهذا الخصوص ، وتفرعت عن هذا المعرض معارض كتب أخرى متخصصة مثل معرض القاهرة الدولي لكتب الأطفال الذي بدأ سنة 1984 ويقام في شهر نوفمبر الثاني من كل عام.
 
مقر معرض القاهرة الدولي للكتاب
أقيم معرض القاهرة الدولي للكتاب بأرض المعارض بالجزيرة 1983، (مقر دار الأوبرا المصرية حاليًا) حتى تقرر إعادة بناء دار الأوبرا المصرية بعد احتراق مبناها القديم بمقر أرض المعارض بالجزيرة، فنقل مقر معرض القاهرة الدولي إلى أرض المعارض بمدينة نصر عام وظلت أرض المعارض بمدينة نصر مقرًّا للمعرض حتى عام 2011، فبحسب شهادات الكتبيين فإن مقر معرض الكتاب في دورته الـ 43 عام 2011 كان مقرها في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، لكن أحداث الثورة المصرية حالت دون هذا الانتقال، وتأجلت دورة المعرض إلى العام التالي في2012 .
لكن أقيم في الخامس من أغسطس 2011 معرض القاهرة للكتاب بأرض معارض الهيئة العامة للكتاب بشارع فيصل، ثم أصبح معرضًا مستقلًّا بعد ذلك وكانت  منذ دورته السابعة واستمرت إقامة معرض الكتاب بأرض المعارض في مدينة نصر إلى أن تقرر هذا العام نقله لتقام الدورة الخمسين بمركز مصر الدولي للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس.

هل الكتاب سلعة ام قيمة ثقافية؟
من يراجع كافة المعارض من عصر الخديوي اسماعيل وحتي عصر ثروت عكاشة وصولا الي الدورة 43 سوف يلاحظ دائما ان مصر كانت تعتبر ان الهدف الاساسي للمعارض ليس تجاري او تسويقي بل كان يتم الربط بين الجانب الثقافي والجانب التجاري كما كتبت صحف فينا 1873 والاهران 1946 ، الا ان المعرض في دوراته الاخيرة تحول الي مول تجاري فقط لاغير حتي ان بعض كبار المثقفين المحترمين اعتبروا ان الجانب التجاري هو الغرض الوحيد للمعرض وان الكتاب سلعة وليس دليل ثقافي، ومن ثم ما الفرق بين معرض الكتاب ومعارض السلع ؟