وليم ويصا
طلب من الصديق العزيز اللواء نصري أمس تفسيرًا للعمليات الإرهابية التي تقع من وقت لآخر في فرنسا.

في الستينات استقدمت فرنسا عددا كبيرا من مستعمراتها القديمة، تونس والجزائر والمغرب، لمصانع السيارات، ولم يكن لهذا الجيل الأول هدف سوي العيش في سلام.

ولكن مع الوقت انتشر السلفيون في أوساط الجيل الثالث والرابع، وعملوا علي فصلهم عن المجتمع الفرنسي ، وفرض رؤية دينية سلفية تدعوهم لعدم احترام القوانين الفرنسية إذا ما تعارضت مع عقيدتهم الدينية . ولكن بالطبع هؤلاء قلة قياسًا علي الأغلبية الساحقة من الفرنسيين المسلمين، ولكنها قلة نشطة للغاية.
لم يُولي اليسار الفرنسي هذه الظاهرة،مع تولي ميتران في مستهل الثمانينات، اهتماما كبيرا، واعتبرها من قبيل حرية العقيدة وحرية التعبير، وذلك قبيل عقدين من بدء ظهور أثارها السلبية علي المجتمع الفرنسي.

جاك شيراك وهو رئيس يميني، وكان يوصف بصديق العرب، لم يقترب من هذه الظاهرة أيضًا ، حتي لا يثير حساسيات لدي أصدقائه السعوديين والخليجيين الذين كانوا يمولون السلفيين، تحت غطاء انشاء الجوامع، بشكل كبير وظاهر للعين، حتي أن السفارة السعودية كان بها ملحق ديني للإشراف علي هذا التمويل.

تلميذه النجيب ساركوزي ، فعل ما هو أكثر، حتي يضمن أصوات الفرنسيين ذوي الأصول من دول الشمال الإفريقي العربية، حيث زار اتحاد الجمعيات الإسلامية وهو ذراع الأخوان المسلمين في فرنسا، أثنا حملته الانتخابية، وحاول إقناعهم بالانضمام للمجلس الفرنسي للطائفة الإسلامية، الذين يدير شئون الفرنسيين المسلميين في مجال الاحتياجات ذات الطابع الديني، مثل ادارة شئون المدافن وإعطاء التصاريح للشركات الكبيرة أو الصغيرة في مجال الغذاء ذات الطابع الاسلامي ، وشئون الحج وخلافه .

ومع الوقت أصبح عدد السلفيين في فرنسا حوالي خمسين ألف، ليس كلهم جهاديون بالطبع ولكن أغلبيتهم من هؤلاء.

بعد عملية شارلي أبدو في يناير ٢٠١٥ التي قتل فيها الإرهابيون مجلس تحرير هذه الجريدة الأسبوعية الذي كان مجتمعا، بدأ الفرنسيون يشعرون أنهم أمام مأزق وتحدي خطير، والوعي بضرورة مواجهة ظاهرة الراديكالية في فرنسا، وبدأوا بعد عملية صالة باتكلان الغنائية ، بالإضافة لثلاث عمليات في ليلة واحدة في نوفمبر من نفس العام راح ضحيتها ١٣٥ فرنسي ، يَرَوْن أنهم في حالة حرب، واستخدم الرئيس الإشتراكي هولاند ولأول مرة تعبير نحن في حالة حرب.

وبدأت فرنسا في طرد شيوخ لا يحملون الجنسية الفرنسية متهمون بالراديكالية؟ وإغلاق جوامع ومصليات سلفية، ووضع حوالي ١١ ألفًا ممن يعتبرون راديكاليين تحت المراقبة.

لم تعد هناك الآن إمكانية لقيام مجموعة بعملية إرهابيةجماعية كما كان الحال سابقا بسبب الملاحقات الأمنية، ولكن العمليات الإرهابية تتم بشكل فردي. والمشكلة تكمن في أنهم لا يعرفون ما يدور بخلد شخص ، ليس علي هذه القائمة، وإمكانية اتخاذه قرار بالقيام بعمل إرهابي ، دون أن تظهر عليه مسبقًا أية مؤشرات راديكالية.

مشكلة أخري أن حق اللجوء إلي فرنسا، هو حق تكفله القوانين الفرنسية، وهم يرفضون الآن أكثر من ٨٠ ٪؜ من طلبات اللجوء، ولكن المشكلة في ان من يُرفض طلبهم لا يجري اعادة معظمهم إلي دولهم، لأن أعادتهم تقتضي الحصول علي تأكيد من دولهم بشأن هويتهم وهو ما ترفض كثير من الدول الرد علي فرنسا في هذا الصدد. هذا فضلًا عن التكلفة الباهظة لإعادتهم كلهم وعددهم بمئات الآلاف.

علي أي الأحوال لم يعد الأمر علي ما كان عليه من قبل، حيث يجري تشديد قبضة الدولة في الأماكن التي يتغلغل فيها السلفيون، وهي معركة طويل ستمتد لسنوات طويلة، لن ينتصر فيها الإرهابيون علي وجه التأكيد ، ولكن الضريبة ستكون غالية جدا.

هذا قليل جدا وفي عجالة حول ظاهرة الإرهاب في فرنسا.