سحر الجعارة
«الدعاء يرفع البلاء»، وفقاً لهذه القاعدة تتحرك كتلة شعبية، (كفيلة بنشر فيروس كورونا المستجد)، متحدية فرض حظر التجول وقانون الطوارئ وتغليظ عقوبة خرق الحظر، لتصل إلى الحبس مدة شهرين.. تتحرك هذه الكتلة متلفحة بعباءة «التدين الشكلى» وخنجر «الخيانة الوطنية»، لتُهدّد المواطن فى حياته وتحاصره بوباء جائحة لم تفلت منها أشد الدول تنظيماً سياسياً، ولا أكثرها تديناً.

على مستوى «الهوس الدينى» يعتبر هؤلاء أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر هو «المرجعية الدينية الرسمية»، وأن كلمته لا تُرد فإن رفض خطبة الجمعة المكتوبة رفضوها وجحدوا مطالب وزارة الأوقاف، وإن أوقع الطلاق الشفهى طلقوا بلسانه وردوا النساء إلى عصمتهم بتعليماته.. لكن نفس البشر من «المجاذيب والدراويش» إذا ضم شيخ الأزهر صوته لصوت وزير الأوقاف الدكتور «محمد مختار جمعة» واجتمعا على غلق المساجد وعدم إقامة صلاة الجمعة.. تحوّلا ضدهما واتهموهما -كما عهدنا- بأنهم «مشايخ السلطان».. ولم ينظروا أبعد من أقدامهم ليروا أن الكعبة المشرفة مغلقة فى وجه المصلين والمعتمرين، وأن مكة والمدينة تحت الحظر الإجبارى إلى أجل غير مسمى.. مع مؤشرات لإلغاء أداء فريضة الحج هذا العام بعد تعليق أداء العمرة!.

فهل «صلاة الجماعة» هى طوق النجاة من فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»؟.. أم أن صلاة كومباوند 6 أكتوبر سترفع اللعنة عن البشرية، وتنعم على علماء «الغرب الكافر» باكتشاف علاج ومصل واقٍ لأولئك الذين سجدوا وأنفاسهم الحارة تزاحم الفيروسات، وهم يستغفرون نيابة عن «البشرية المذنبة»، ويستعيذون بالله من شياطين الإنس التى جلبت لهم الطاعون؟!.

أنا لا أجد أى منطق أو تفسير دينى لحالة «الانتحار الجماعى» التى يصر عليها البعض، بافتعال التضرّع والخشوع والهرولة لإقامة صلاة جماعية لن تكون نتيجتها إلا انتشار فيروس كورونا وتزايد معدلاته.. لكن الواضح أن الإنسان لم يعد عامل «البقاء» للبشرية، بل إنه يسعى فى جنون إلى فنائها!.

وقبل مُضى 48 ساعة على صلاة الجمعة التى أقامها السكان فى منطقة حدائق أكتوبر، كانت تتم صلوات تجنيز القمص «إسحق ثابت توفيق»، كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس والقديس قلته الطبيب بقرية دير أبوحنس، التابعة لمطرانية ملوى وأنصنا والأشمونين للأقباط الأرثوذكس، التى شهدت حضوراً قبطياً مكثفاً، إذ شارك فى الجنازة أهالى القرية من المسيحيين وعدد من كهنة المطرانية.

وتُعد هذه أول حالة لكسر قرارات المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الخاصة بقصر الجنازات على أسرة المتوفى فقط، ضمن الإجراءات الاحترازية للوقاية من تفشّى فيروس كورونا المستجد.. وفى محاولة لتبرير الواقعة، قال «مقار مجدى» سكرتير الأنبا ديمتريوس، إن تلك الواقعة استثنائية، نظراً لعدم قدرة المطرانية على السيطرة على الأمر لكون الكاهن الراحل له مكانة كبيرة لدى أهالى القرية، وستعمل المطرانية على عدم تكرار هذا الأمر ثانية!!.

تخيل أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعلن استمرار غلق الكنائس وإلغاء الاحتفالات والصلوات بأسبوع الآلام وعيد القيامة المجيد، لمواجهة تفشى فيروس كورونا، وأن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، سيترأس صلوات أسبوع الآلام الذى سيبدأ يوم 12 أبريل الحالى، بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، بمشاركة رهبان الدير، وسيتم نقل تلك الصلوات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، حيث إن قرارات الكنيسة تسرى على الأقباط والكهنة فقط، وليس البابا والرهبان، ثم تطيح صلاة جنائزية بكل تلك الاستعدادات الاحترازية.

نعم نحن نقدس «ثقافة الموت»، البعض يعتبره جزءاً من حضارته «فن التحنيط»، والبعض الآخر يعفى نفسه من ذنب الإضرار بالآخر ووضعه على عتبة الموت بنشر الفيروس، بزعم أنه كان يدعو للبشرية.. وأنه يفنى من أجل الآخر، بينما هو يدمر أبسط قواعد الإنسانية.. وهى أن تترك «مسافة آمنة» للآخر ليتنفس ويحيا!.

تخيل أن كل مقدسات العالم الدينية خالية من الحياة، مغلقة فى وجه المصلين، فالبابا «فرنسيس»، بابا الفاتيكان، ألقى عظته بساحة القديس بطرس بالفاتيكان والساحة أمامه خالية من الزائرين، والفاتيكان أعلن أن البابا «فرنسيس» قرر إقامة الصلاة بالبث المباشر عبر الإنترنت.. وتم إغلاق المصليات داخل المسجد الأقصى.. كما تم إغلاق كنيسة المهد فى بيت لحم.. لكن قطعاً «الله» لم يغلق أبوابه، لم يطلب منك الانتحار على «العتبات المقدسة»!.

السؤال الذى يفرض نفسه الآن: هل أسقط الفيروس السطوة الروحية لرجال الدين على البسطاء؟.. أم أن المواطن الذى تمرد على حظر التجوال بالتظاهر فى الإسكندرية، أو رفض الحجر الصحى بمظاهرة فى قرية «الهياتم» بالغربية، قد أسقط «الكهنوت الدينى»، واستبدل به لغماً من الجهل والرغبة فى التحرك بعشوائية والتخبط خارج أسوار «التعليمات الدينية»، ثم سقط فى «حلقة زار» تخصه وحده يلغى فيها كل التعاليم الجاهزة والطقوس المألوفة، متوهماً أنه يمتلك حبالاً موصولة بالسماء، وأنه يفرض «نمط حياة» هو الهلاك بعينه؟!.

للأسف لم يتحرّر الإنسان من سلطة الكهنة بالعلم والمعرفة، إن كل ما فعله هؤلاء هو استبدال «الكاهن الأكبر» بآخر يمارس دور «الكاهن الخاص»، فيسمح له بـ«رقصة الموت» الأخيرة، ليودع الحياة راكعاً ومحنياً فى امتنان لكاهن منحه «موتاً خاصاً» ملوناً بنكهة الحياة!.
نقلا عن المصري اليوم