فاروق عطية
 
أثناء تقدم الحملة عبر رشيد عثر الضباط بيير فرانسوا بوشار على الحجر عام 1799م، احتاج كليبر أنه يفهم ماهيه المكتوب على ذلك الحجر وفك رموزه، فلجأ لعالم الرياضيات الفرنسي فورييه، وكان فورييه وقتها قد كوّن فريقا من الباحثين الذين يجيدون علم اللغات الشرقية القديمة، وكان من ضمنهم كاهن قبطي اسمه “يوحنا الشفتشى”.
 
وقد تم الإعلان عن هذا الاكتشاف فى الصحيفة التى كانت تصدرها الحملة لمقاتليها، وبفضله تم فك رموز اللغة المصرية القديمة..
   يوحنا الشفتشى كاهن قبطي مسيحي ولد في القاهرة الكبري لعائلة من صّياغ الذهب؛ فكلمة الشفتشي في اللغة العربية يستخدمها صائغ الذهب للدلالة على الخيوطه الدقيقة المنقوشة في حيز مفرّغ من اللبة ولا يراها الناظر إلا في شفافية الضؤ؛ ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج أن صياغة الذهب كانت حرفة متوارثة بين الأقباط منذ أقدم العصور.
 
   عمل يوحنا مترجما فوريا بمنطقة الجيزة وكاتبا أول في محكمة الشئون التجارية كما عمل بناء علي توصية من العالم الرياضي فورييه مترجما لدي اللجنة التي شكلها كليبر (1768- 1830م) لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية.
 
وعندما خرج الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب من مصر متوجها إلي فرنسا خرج معهم يوحنا الشفتشي، ثم عمل كاهنا مقيما بشارع سان روك بباريس راعيا للأقباط المهاجرين إلى فرنسا، وبناء على شهرته كعالم في اللغات الشرقية القديمة خاصة اللغة، القبطية قصده الطالب شامبيلون ليأخذ منه دروسا خصوصية في تعلّم اللغة القبطية ونطقها لاقتناعه بأهمية اللغة القبطية وإيمانه بأنها التطور الطبيعي لللغة الهيروغلفية، لذا أفترض أن معرفته لللغة القبطية سوف تساعده كثيرا في فك رموز اللغة الهيروغليفية، الامر الذي كان صائباً بالفعل.
 
   سجل شمبليون هذه الحقيقة في مذكراته إذ كتب: سلّمت نفسي بالكامل إلي اللغة القبطية.
 
أصبحت قبطيا لدرجة أن تسليتي الوحيدة الآن هي ترجمة كل مايخطر علي بالي إلي اللغة القبطية، ثم إني أتحدث إلي نفسي بالقبطية، وقد تمكنت من هذه اللغة إلي درجة أنني قادر أن أعلّم قواعدها لأي شخص خلال يوم واحد، وتتبعت تسلسل الروابط التركيبية لهذه اللغة ثم حللت كل شيء تحليلا كاملا وهو ما سيعطيني دون أدني شك المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام العلامات الهيروغليفية، وهو المفتاح الذي حتما سأعثر عليه. 
 
   نجح العالم الفرنسي فرانسوا شامبيلون في فك رموز اللغة الهيروغليفية عام 1822م تحديدًا يوم 14 سبتمبر، وبهذا الكشف فتح أفاق التعرف علي حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها، وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون، الا ان الامر لم يكن بمجهوده فقط، ولكن ساعده في ذلك جندي مجهول اسمه "يوحنا الشيفتشي".
 
ولقد ذكر شامبيلون فضل هذا الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي صراحة في مذكراته إذ أرسل خطابا إلي أخيه يقول له فيه إنني ذاهب إلي كاهن قبطي يسكن في سانت روش في شارع سانت هونوري وهذا الكاهن يعلمني الأسماء القبطية وكيفية نطق الحروف، وإنني أكرس الآن نفسي كلية لتعلم اللغة القبطية إذ أريد أن أتقن هذه اللغة مثلما أتقن الفرنسية وأن نجاحي في دراسة البرديات المصرية سيعتمد علي إتقاني لهذه اللغة القبطية.
 
   كما ورد ذكر يوحنا الشفتشي أيضا ضمن مجموعة العلماء الذين ساعدوا في إعداد كتاب وصف مصر. وعثر أخيرا علي تزكية مؤرخة بتاريخ 6 أبريل 1816م تحمل توقيعات سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين في القرن التاسع عشر يثنون فيها علي ثقافة يوحنا الشفتشي الواسعة مع الإشارة إلي زهده وتواضعه.
 
كان يوحنا الشفتشي أحد العلماء والمؤرخين الذين ساعدوا في انشاء مجلدات “وصف مصر” التي اصدرتها فرنسا تصف فيها مصر وجميع أحوالها كاملة، من خلال 20 عالما كانوا بالحملة الفرنسية إضافة لآخرين مصريين هاجروا لفرنسا عند عودة الحملة لفرنسا، ويتضح ذلك من خلال خطاب من وزير داخلية فرنسا سنة 1802م قال فيه: تعرفت على كاهن مصري يدعي يوحنا والتزكية التي وصلتني عنه بأنه عالم جليل ذو سمعة طيبة ويشارك في العمل المنكب عليه العلماء العائدين من الحملة الفرنسية على مصر.
 
كما عثر العالم المصري الراحل الدكتور انور لوقا (1927- 2004م)، في مخطوطات المكتبه الوطنيه بباريس علي اشاره مقتضبه، وردت في خطاب
من وزير الداخليه الفرنسي الي احد العلماء بالمدرسه المركزيه يساله رايه في الاستعانه بكاهن قبطي اسمه "يوحنا" يقال انه واسع العلم باللغات الشرقيه.
 
كما عُثر علي توصيه من عميد مدرسه اللغات الشرقيه يشيد فيها بفضل هذا الكاهن القبطي، ويدعو الي الافاده من علمه، وعُثر ايضاً علي تزكيه مؤرخه بتاريخ 6 ابريل 1816م، تحمل توقيعات سبعه من اشهر العلماء الفرنسيين في القرن التاسع عشر يثنون فيها علي ثقافه يوحنا الشفتشي الواسعه، مع الاشاره الي زهده وتواضعه.
 
قرر يوحنا الرحيل من باريس سنة 1825م إلي مرسيليا التماسا لمناخ أدفأ وأنسب لحالته الصحية وتوفي في نفس السنة كما تذكر بعض المراجع.
   ويعتقد أن هذا الحجر كان ضمن نصب تذكارى ضخم أو من أحدى المعابد بالقرب من صا الحجر. عندما كان العرب المسلمين يحتاجون للأحجار كانوا يهدمون المعابد والكنائس ليأخذوا أحجارها لإنشآتهم الحربية أو حتى بناء مساجدهم، وانتهى به المطاف ليكون أحد الأحجار المعدة لبناء طابية رشيد بالقرب من مدينة رشيد على دلتا النيل.
 
تم اكنشافه هناك عام 1799م عن طريق الضابط الفرنسي بالحملة الفرنسية (فرانسوا بوشار) وكان هذا أول نص يُعثر عليه بلغتين مصريتين قديمتين ولغة يونانية قديمة (الإغريقية). 
 
وهذا الحجر هو نصب من حجر الجرانودايوريت مدوّن عليه مرسوم صدر من كهنة آمون بممفيس في 196 ق.م للإشادة وعرفان موجه من مجموعة من كهنة مدينة منف للملك بطليموس الخامس لإعفائه للمعابد من دفع بعض الرسوم. يظهر المرسوم في ثلاثة لغات: الهيروغليفية القديمة (اللغة الدينية المقدسة المتداولة في المعابد) واللغة الديموطيقية الحديثة (اللغة القبطية المتداولة شعبيا) والجزء الأدنى باللغة الإغريقية (لغة البطالمة الإغريق). ارتفاعه 113 سم، وعرضه 75 سم، وسمكه 27.5  سم، وقد نقشت الكتابات على هذا الحجر فى عهد الملك بطليموس الخامس. 
 
   وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لا يفسّر، لأن اللغات الثلاثة كانت وقت اكتشافه من اللغات الميتة.
 
ولكن تلك اللغات الثلاث كانت سائدة إبان حكم البطالمة.
 
وكان محتوي النص تمجيدا لبطليموس الخامس وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر. و قد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. النص اليوناني عبارة عن 54 سطرا، سهل القراءة مما جعله يميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية. والحجر أخذه البريطانيون من القوات الفرنسية، ووضعوه في متحف لندن 
 
ترجمة عربية للنص المنقوش على الحجر:
   في عهد الملك الصغير الذي ورث الملك من والده جلالة الملك صاحب التيجان المجيد الذي أرسى مصر، التقيّ تجاه الآلهة، المنتصر على أعدائه، الذي أعاد الحياة الكريمة للناس، المشرف علي احتفال الثلاثين عام، العادل مثل هافايستوس الأكبر، الملك شبيه الشمس، ملك القطرين العلوي والسفلي، العظيم نجل الآلهة، العائد إليهم، الذي أقر به هيفايستوس، الذي أيدته الشمس بالنصر، الصورة الحية لزيوس، ابن الشمسن بطليموس، الحي القيوم، محبوب بتاح، في السنة التاسعة (أنا) أيتوس ابن أيتوس كاهن الإسكندرية والآلهة سوتيريس وأدولفي والآلهة أبورجاتي وفيلوباتوريس. (وتأتي فقرة في النص لتمجيد آلهة الإغريق ثم يسترسل).....
 
   في اليوم الرابع عشر من شهر كسانديكوس الموافق يوم 18 من شهر أمشير المصري.  
 
 مرسوم: اجتمع كبار الكهنة والمنبئين وهؤلاء المسموح لهم دخول الهيكل المقدس لخدمة الآلهة وحاملوا المراوح وكتّاب القدوس وكهنة المعابد الآخرين الآتين من جميع أنحاء البلد الذين أتوا إلى منف لمقابلة الملك بمناسبة عيد تتويجه.
 
 من بطليموس فليعيش محبوب بتاح والإله أبي فانيس أوخاريستوس الذي خلف والده. اجتمعوا في هذا اليوم في معبد منف وشهدوا أن الملك بطليموس فليعيش محبوب بتاح الإله ابي فانيس أوخاريستوس ابن الملك بطليموس والملكة أرسينوي الألهة فيلوباتوريس.
 
أنه محسن للمعبد وللعاملين فيه وكذلك لجميع الشعب وأنه إله ابن إله (مثل حورس إبن إيزيس وأوزوريس المنتقم لأبيه) وأنه يقدس الآلهة.
 
قدّم للمعبد دخل من الثروة والحبوب وصرف الكثير من أجل رخاء مصر وزوّد المعابد بالإمدادات. وهو سخي بثروته الخاصة وقام بإلغاء العوائد والضرائب التي كانت واجبة في مصر كما خفـّض أخرى حتى يتمكن الشعب من العيش في رفاهية أثناء حكمه وألغي الديون المستحقة للقصر وهي كثيرة المستحقة في مصر وباقي المملكة، وكذلك حرر هؤلاء القابعين في السجن وأخرىن الواقعين في قضايا منذ زمن طويل حررهم من التهم الواقعة عليهم، وأمر أن يستمر نصيب الآلهة من عائدات المعبد ومن دخل المعبد السنوي لهم سواء من الحبوب أو من الثروات وكذلك من الغيطان والحدائق والأراضي الأخرى الممنوحة لهم التي كانت مخصصة للآلهة في عهد والده، وقرر بشأن الكهنة أن هؤلاء لا تزيد رسوم تعميدهم لوظيفة الكهنوت عن ما كانت مقررة في عهد والده وفي السنة الأولى من حكمه.
 
وأعفى أعضاء سلك الكهنوت من واجب حضورهم كل سنة إلى الإسكندرية، وأمر أن لا يُرغم أحد على العمل في الأسطول. كما أخفض الضرائب التي يقوم المعبد بدفعها للقصر عن منسوجات بيسوس بمقدار الثلثين وقام بإصلاح ما تعطل من الأمور خلال السنوات الماضية حيث يهتم بتنفيذ كل الواجبات المتوارثة منذ القديم نحو الآلهة، وضمن لجميع الأفراد مساواة في العدالة مثل هيرمس الكبير العظيم وأمر بأن يـُسمح للهاربين من صفوف الجيش وآخرين الذين كانت لهم نوايا سيئة خلال أيام التمرد أن يسترجعوا ممتلكاتهم عند عودتهم كما اتخذ إجراءات لتوجيه الفرسان والمشاة والأسطول لصد هؤلاء الذين كانوا يهجمون على مصر من البحر والبر ورصد أموالا طائلة وكميات كبيرة من الحبوب لكي تعيش المعابد والناس في البلد في أمان. 
(يمثل هذا الجزء نجو خمسي النص)