مراد وهبة
ماذا يحدث فى الهند الآن؟ منذ فوز حكومة مودى الأصولية بولاية ثانية ألغت الحكم الذاتى الجزئى لكشمير الولاية الوحيدة فى الهند ذات الغالبية المسلمة ثم اعتمدت قانوناً بمنح الجنسية الهندية للاجئين باستثناء المسلمين وبذلك يتم تهميش 200 مليون هندى مسلم. وقد تسبب هذا القانون فى صدام دموى بين الهندوس والمسلمين فى مدينة نيودلهى وقد واكب كل ذلك تشويه صور غاندى وذلك برسم كلمة الخائن على صورته.

وفى الذكرى الـ 150 لميلاده سرق اللصوص رماد رفاته الموجودة فى نصب التذكارى الواقع فى وسط نيودلهى. وكان من اللازم بعد ذلك الاحتفاء بالهندوسى الأصولى ناثورام حودسى قاتل غاندى بأربع رصاصات فى صدره فى 30 يناير 1948 وذلك بإقامة تماثيل له وتحويل أسماء المعابد الهندوسية إلى معاهد تحمل اسمه. والمأثور عن هذا القاتل اتهامه غاندى بأنه قد خان الهندوس عندما أعلن موافقته على تأسيس دولة باكستان أثناء تقسيم الهند فى عام 1947.

وفى هذا السياق قضت المحكمة العليا ببناء معبد هندوسى فى الموقع المتنازع عليه مع المسلمين والذى شهد فى عام 1992 وقائع تدمير الأصوليين الهندوس لمسجد «بابرى» التاريخى. وقد صدر هذا الحكم متسقاً مع وعود رئيس الوزراء الهندى الأصولى ناريندرا مودى فى حملته الانتخابية ببناء ذلك المعبد.

والسؤال إذن:

لماذا حدث هذا الذى حدث؟


قيل عن هذا الذى حدث إنه مردود إلى إرادة مودى فى إعادة تشكيل الهند العلمانية وتحويلها إلى دولة أصولية هندوسية. إلا أن هذه الإرادة ليست كافية لإحداث ذلك التحويل، إذ إنه من اللازم وجود تيار أصولى يقاوم تياراً علمانياً يكون عاجزاً عن المقاومة. وقد عايشتُ هذا العجز بحكم علاقتى مع فلاسفة الهند الذين شاركونى فى تأسيس الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية فى مارس 1978. وكان فى مقدمة هؤلاء فيلسوف مرموق اسمه شاتوباديا.

كان رئيس المجلس الهندى للبحوث الفلسفية منذ تأسيسه فى 1980. إلا أن تأسيسه لم يكن بالأمر الميسور فقد واجه مقاومة من جهات متعددة بالرغم من دعم أنديرا غاندى التى كانت فى حينها رئيسة وزراء الهند. وكان من شأن هذه المقاومة أن أسس شاتوباديا مركزاً آخر أسماه «مركز دراسات الحضارة». وكان يدعونى دائما للمشاركة فى ندوات ذلك المركز وأنا بدورى أدعوه إلى المشاركة فى ندوات الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية بالهند.

إلا أن هذه الندوات كانت موضع مقاومة خفية فى البداية ثم أصبحت موضع مقاومة صريحة بسبب اتجاهاتها العلمانية. ففى عام 2010 عقدت الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية ندوة فى بومباى، وفيها دار حوار حول مشروعية وجود الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية فى الاتحاد الدولى للجمعيات الفلسفية بدعوى أن شرط الوجود أن تكون أية جمعية فلسفية ممثلة لدولة معينة وجمعيتنا ليست كذلك. والمفارقة هنا أن القيادات العليا للاتحاد الدولى هى التى ألزمتنى فى عام 1988 بضرورة الانضمام وهى نفسها التى تنصلت من هذا الالتزام.

وبذلك ماتت جمعيتنا فى بومباى ولم يعد لها أثر وذلك بسبب عنف الأصوليات الدينية السائدة فى القارة الآسيوية وفى مقدمتها الأصولية الهندوسية فى الهند والأصولية الإسلامية فى باكستان وفى طالبان أفغانستان. ومن هنا تكون مشروعية عنوان هذا المقال.
نقلا عن المصرى اليوم