نجحت الصين فى السيطرة على فيروس كورونا فى فترة وجيزة بإجراءات صارمة، فى مقابل تعثر غربى وعالمى فى حصاره ولو مؤقتًا، وبدأت الصين فى الترويج لنجاحها على مستوى العالم، دعمته أيضًا بتقديم مساعدات إلى الدول التى تعانى من انتشار الوباء، خاصة إيطاليا.

 
وأصبح السؤال: هل حققت الصين تقدمًا فى الصراع التجارى والاقتصادى والسياسى مع أمريكا وأوروبا؟، وكيف ستكون رسالة الصين إلى العالم ومضمونها فى مرحلة ما بعد كورونا؟.
 
لقد سيطرت الصين على فيروس كورونا بمجموعة إجراءات صارمة طبقت بشكل لم يخلُ من القسوة على كثير من الناس، واعتبر البعض أن أحد أسباب نجاح الصين هو عدم ديمقراطية نظامها السياسى، مما سهل من قدرتها على اتخاذ قرارات مركزية قابلة للتنفيذ الفورى على أرض الواقع، فهل سيعنى ذلك أن المستقبل سيكون للنظم المركزية على حساب النظم الديمقراطية؟ وهل هذا ما ستروج له الصين؟.
 
والحقيقة أن هذا الطرح تكتنفه أوجه قصور كثيرة، فموضوع السيطرة على فيروس كورونا يتجاوز طبيعة النظم السياسية، ولا يمكن القول إن الصين سيطرت عليه لأنها سلطوية، أو أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا لن تسيطر عليه لأنها نظم ديمقراطية، فالصين سيطرت على الفيروس بكفاءة الأداء، وباختيارها العلم طريقًا لمقاومته، والصرامة والانضباط كأسلوب فى التنفيذ، فقد عزلت ووهان (مركز الوباء) عن باقى مدن ومقاطعات الصين، واستخدمت نظامًا تكنولوجيًّا متطورًا لمتابعة الناس عن طريق هواتفهم النقالة، مستفيدة من نظام المعلومات الضخم (Big Data) الذى تعرف من خلاله الدولة كثيرا من التفاصيل عن مواطنيها، فحددت المشتبه فى إصابتهم بالفيروس بمجرد إدخال الرقم الوطنى.
 
صحيح أن الوجه الأمنى كان حاضرًا حين طالبت السلطات كل مواطن بأن يبلّغ عن أصدقائه وأقاربه، فى حال شعر أنهم يخفون إصابتهم بالمرض، كما قاموا بإجبار المشتبه بإصابتهم على الذهاب إلى العزل الصحى.
 
لقد ترسخت مركزية النظام السياسى وثقافة الحزب الواحد عقب ثورة الصين الشيوعية فى 1949، وأصبحت ثقافة مجتمعية لا يمكن استنساخها فى خبرات تاريخية أخرى، وهذا ما قد يفسر لنا استجابة الناس التلقائية لتوجيهات السلطات بخصوص إجراءات الوقاية من الفيروس لأنهم تربوا داخل نظام سياسى رسخ مفهوم المركزية فى اتخاذ القرارات.
 
والحقيقة أن الصين نجحت لكفاءة نظامها السياسى وتقدمها الصناعى والعلمى وليس بسبب سلطوية نظامها، لأن باقى النظم الاستبدادية التى يعرفها العالم فشلت فى مواجهة مشاكل (وليست كوارث) أقل خطرا من فيروس كورونا، بسبب انعدام الكفاءة وكراهية العلم والمهنية وعدم استخدام العقل.
 
ستصعد الصين وستروّج لكفاءة نظامها السياسى واعتماده على العلم، ليس لأنه نظام شيوعى أو سلطوى، بل لأن الجوانب الأولى قابلة للتسويق والتأثير، والثانية لن يشتريها أحد يذكر.
نقلا عن المصرى اليوم