ويغلق التليفون فى وجه وزير خارجيته محمد إبراهيم كامل لاعتراضه على زيارة الوزير الإسرائيلى «وايزمان» للقاهرة

أبدى الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، رغبته فى مقابلة الرئيس السادات، فوعده نظيره المصرى محمد إبراهيم كامل، بتحديد موعد.

جرى ذلك أثناء اجتماعات مجلس الجامعة العربية فى القاهرة يوم 27 مارس 1978، والذى استثمره «كامل» فى عقد اجتماعات مكثفة مع نظرائه لتنقية الأجواء بين مصر والدول العربية والتى تعكرت بسبب سفر السادات إلى القدس يوم 19 نوفمبر 1977.

يذكر «كامل» فى مذكراته «السلام الضائع» أنه اتصل بالرئيس وأبلغه برغبة الفيصل، فرد بأنه متوعك ومشغول، فقال «كامل» إنه لايستطيع أن يعتذر له، وليس ذلك من المصلحة، ويضيف: «إزاء إلحاحى وافق على المقابلة فى استراحة القناطر الخيرية الساعة الخامسة بعد ظهر اليوم التالى «28 مارس 1978»، وطلب منى أن أحضر معه».

فى ظهر 28 مارس، مثل هذا اليوم، 1978 اتصل «السادات» بكامل يسأله عن كيفية سير الأمور مع الوزراء العرب، ثم فاجأه قائلا: «على فكرة يامحمد ،عزرا وايزمان «وزير الدفاع الإسرائيلى» أرسل برقية لى عن طريق البعثة الإسرائيلية يطلب الحضور إلى القاهرة، ورددت عليه بموافقتى».. يتذكر كامل: «سألت الرئيس فى ذهول: كيف توافق والوزراء العرب مجتمعون فى القاهرة، والجيش الإسرائيلى يحصد الأرواح وينشر الدمار فى لبنان».. كانت إسرائيل تجتاح أراضى لبنان منذ يوم 14 مارس 1978.

رد السادات: «لابد وأن لديه رسالة مهمة يريد أن ينقلها إلى».. سأله كامل: «لماذا لايرسلها عن طريق السفارة الأمريكية حسب مايجرى عليه العمل، أوعن طريق البعثة الإسرائيلية؟، رد السادات: وماذا نخسر من حضوره والاستماع إليه، وليس هناك داع لأن يعلم أحد بحضوره»

يصف كامل حالته بأنه «جن جنونه» وهو يرد: «نخسر الكثير، أن اختيار وايزمان الحضور فى هذا الوقت الذى يجتمع فيه الوزراء العرب هنا ليس اعتباطا، إنه تخريب متعمد لأى تقارب عربى مع مصر، أما إذا كنت تصر على إبقاء دعوته فيجب أن نعلن عن وصوله، فأنا أتعامل مع الناس على أساس الثقة، ولست مستعدا لهدم سمعتى التى ظللت أبنيها وأحافظ عليها طوال عمرى».. رد السادات: «طبعا سأعلن عن وصوله فأنا لا أعمل فى الظلام ولا أخش أحد».. يؤكد كامل أنه عاد إلى هدوئه، وترجى السادات أن يلغى الزيارة أو يرجئها على الأقل، لكن السادات رد: «أنت أصلك لاتعرف وايزمان، إنه صديقى».

انفجر كامل صائحا فى المكالمة التليفونية: «اتنس أنه «وايزمان» عضو حزب حيروت «حزب صهيونى من زعمائه مناحم بيجين تأسس بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، ويؤمن بأرض إسرائيل الكبرى».. وأضاف: «أمامى الآن تصريحاته منذ أيام فى التليفزيون الأمريكى وهو ملتزم فيها بخط بيجين مائة فى المائة.. ماذا يعنى أنه صديقك، لعنة الله عليه وعلى أبيه»..رد السادات بعصبية قائلا: «طيب يامحمد أفندى، طيب يا محمد أفندى»..يؤكد كامل: «سمعت صوت سماعة التليفون وهو يغلقها فى وجهى».

قد يستغرب البعض من أسلوب الحوار بين السادات كرئيس، ووزير خارجيته، حسبما تشير هذه المكالمة التى ينقلها كامل حرفيا فى مذكراته، لكن من المعروف أن الرجلين جمعتهما قضية واحدة وهى اتهامهما فى مقتل وزير المالية فى حكومة الوفد أمين عثمان يوم 5 يناير 1944، وقضى شهورا فى السجن سويا.

وصل «الفيصل» و«كامل» للقاء السادات، ودخلا أحد صالونات الاستراحة وبعد دقائق لحق بهما السادات.. يتذكر كامل: «بعد أن حيانا، جلسنا، وسكت فترة، وبدا لى أنه فى إحدى حالات الشرود التى تنتابه أحيانا، ثم بدأ الحديث الذى شمل أسئلة عن عدد من أمراء الأسرة المالكة».. يضيف كامل أنه بينما كان يقدم ملخصا عن اجتماعات مجلس الجامعة العربية، قاطعه السادات، موجها حديثه إلى الفيصل، بأن وايزمان طلب منه الحضور إلى القاهرة، وأنه أذن له لأنه الوحيد الذى يستطيع التفاهم معه من بين الطاقم الإسرائيلى.

 

يتذكر كامل، أن الفيصل نظر إليه والدهشة تغلف وجهه، ولم يعلق بكلمة واحدة، واسترسل السادات فى الحديث عن ثقته فى نجاح مبادرته رغم ما يثيره بيجين «رئيس وزراء إسرائيل» من عقبات بعقليته، وانتهى اللقاء،وحسب كامل: «فى طريق العودة إلى القاهرة لم يكف الفيصل عن ترديد الأسئلة، وكان يبدو أنه يوجهها لى ولنفسه فى ذات الوقت: لماذا يفعل الرئيس السادات ذلك؟.. لماذا فى هذا الوقت والوزراء العرب فى القاهرة؟..لماذا لايفسح الفرصة لإعادة التضامن العربى الذى يعملون بكل جهدهم على إنقاذه؟.. وإذا كانت هناك مصلحة فى لقاء وايزمان، فهل الوقت مناسب لذلك والجيش الإسرائيلى يغزو لبنان؟».