وددتُ أن أصمت في 2020 لكن 2020 لا تريد أن تصمُت!!

استيقظتُ اليوم على خبرين. مظاهرة "طرد الفيروس" في الاسكندرية ورسالة من أحد عملائي الخائفين، الذي أخبر والدته بخوفه فكان جواب الأم المتدينة: ’’ما تخافش. أنا أعرف أحمي عيلتي إزاي." وتقصد بالطبع أنها سوف تحمي أسرتها بالصلاة.
 
هذه العبارة أعادتني بسرعة البرق إلى سفر أيوب. وهو الكتاب اللاهوتي الذي أشرتُ إليه في مقال سابق أنه يدور حول محور واحد هو "كيف أن سؤال الألم يكشف الفارق بين الروحانية الناضجة لاهوتياً وتلك غير الناضجة؟‘‘
 
بالإضافة إلى درس: ’’هل الله هو المسؤول أم الإنسان؟" والذي تناولته في المنشور السابق عن سفر أيوب، يُعلمنا سفر أيوب درساً آخر عظيماً في الروحانية الناضجة لاهوتياً و #الاعتمادية_الروحية
 
من خلال الحوار التمثيلي الذي من المفترض أنه دار بين الله والشيطان في مطلع السفر.
 
(وبالمناسبة أنا لا أظن أن هذا الحوار دار بالفعل، وإنما أنا ممن يرون أن هذا أسلوب أدبي لكتابة سفر بهذا القدر من اللاهوتية والتجريد الروحي في عصر يجب فيه وضع مثل هذه الأشياء في قالب قصصي.
 
مرة أخرى.
 
هل هذا يعني أنه ليس وحياً.
بالعكس. هو وحي جداً. وحي أكثر مما لو كان قصة تاريخية، ونفس الكلام الذي أقوله دائمأً عن قصة الخلق والسقوط. وحي وستين ألف وحي.. لكن ليست بالضرورة تكون تاريخ لكي تكون وحي. فالحقيقي ليس فقط التاريخي، بل الفائق للتاريخ لكي يكلمنا في كل تاريخ.
 
بالإضافة إلى أن اعتبار أن حواراً كهذا دار بين الله والشيطان يلقي بظلال سيئة على الله، خصوصاً في عصرنا ويجعله يشبه زيوس الذي يجلس في مجمع الآلهة (بانثيون) ويقرر أن يعذب إنساناً، فيضع دمية تمثله في النار، وهكذا).
 
على أي حال، من خلال هذا الحوار يتهم الشيطان أيوب اتهاماً، سوف يظهر من خلال رد فعله للألم، مدى صدقه أو كذبه، أو مدى إصابة أيوب بذلك المرض الروحي او ما هي "نسبة" محاولاات السيطرة على الله أو #الاعتمادية_الروحية في روحانيته، وذلك عن طريق ذلك السؤال الاستنكاري الذي سأله الشيطان: ’’أمجاناً يتقي أيوب الله؟! أليس أنك سيجت حوله وحميته، تفضل ومس ما له، ستراه في وجهك يجدف عليك.‘‘ بكلمات أبسط، الشيطان يقول إن تقوى أيوب هذه ليست ’’لله في لله" أيوب يستخدمك يارب لكي تحافظ على بيته وأولاده. يعيش حياة تقية ويصلي ويصوم ويقدم ذبائح ’’وقائية‘‘ لحماية أولاده ليس إلا. وإذا لم تحم أولاده وما له، سوف يتوقف عن ذلك، بل وسوف يلعنك في وجهك. (وهذا موقف زوجة أيوب في واقع الأمر) كما أشرت في المنشور السابق.
 
تكلم يسوع المسيح عن هذا الامر أيضاً في موعظته على الجبل، عندما تكلم عن الفارق بين روحانية السر وروحانية العلن. أي من يصلون ويصومون في العلن ليمتدحهم الناس (ينزلون في مظاهرة صلاة في الشارع، أو في قاعة كبيرة تبثها الفضائيات، الخ) مع أن الله ’يرى في الخفاء" ويتكلم أيضاً عمن يصلون ليس ليمتدحهم الناس (أو ليشعروا بالوَنَس في اللمة. وهذا ليس عيباً في ذاته)، بل للسيطرة على الله.
 
فيقول: ’’وأما أنتم فمتى صليتُم، فلا تُكرروا الكلام باطلاً كالأمم (المشكلة ليست في التكرار واللجاجة، إنما في الفكرة اللاهوتية التي وراء التكرار) فيضيف: لأنهم يظنون أن بكثرة كلامهم يُستجابُ لهم. هذه هي المشكلة أي أن الاستجابة تلقائية للصلاة، ولا ،"يقدمون المشيئة" كما نقول. أي أنهم يستخدمون الصلاة كما لو كانت تعويذة للحفاظ على مكتسباتهم. "أنا عارفة إزاي أحمي بيتي!" لاحظ. إنها هي التي تحمي بيتها بالصلاة!
 
(ملحوظة: تقديم المشيئة لا يعني بالضرورة أن الله مجهول المشيئة، ومين عارف، يمكن رايد لنا الشر؟ لا بالطبع. ولكنها ’’مصل" ضد ميلي للسيطرة على الله وأن أكون أنا صاحب السيادة وأستخدم الله. حاش له ولي.
 
هنا فارق محوري بين الروحانية اليهومسيحية (والإسلامية أيضاً) وروحانية الوثنية، وآلهة الأولمب الذين تُقدم لهم الذبائح لكيلا يبطشوا بالبشر. فإذا قدمت الذبيحة فلا مشكلة، وإن لم يرتفع الوباء، تقدم ذبيحة أغلى حتى وصل بهم الأمر إلى تقديم أبنائهم (وهذا هو ذنب الأموريين وغيرهم من الكنعانيين، كما تقول التوراة) الروحانية الحقيقية ليست فيما تقدمه لله بقدر ما هي ’’نظرتك لله" (ما هو لاهوتك؟) وإلا فمثل هؤلاء يُعتَبَرونَ أكثر الناس روحانية، فهم يستشهدون من أجله، ويقدمون له أبنائهم.
 
بكلمات أخرى الفارق هو أن الصلاة في الروحانية اليهومسيإسلامية (أو كما هو مفروض) أن تكون علاقة مع الله، بالأولى لتغيير الإنسان أكثر من تغيير الظروف. #التطور وبالذات تغيير كيانه الروحيّ #التطور_الروحي، سواء تغيرت الظروف أم لا. لأن ذلك الكيان الروحي أبقى من الكيان المادي بكل المحيط به. وفي المسيحية بالذات (التي هي ديانة القيامة) لم يعُد ذلك الأمر مجرد أمنية في المستقبل للأتقياء ، وإنما حدث تاريخي. قالت مرثا أخت لعازر: أعلم أنه سيقوم يوم القيامة في اليوم الأخير.المسيحية هي رد المسيح: ’’أنا هو القيامة والحياة." وهي المقولة التي أكدها فعلياً عندما قام من بين الأموات. وهذا هو الإنجيل (الخبر) (الحدث التاريخي).
 
لا بأس أن نصلي للحماية، لكننا، كمسيحيين، نعلم أن الله لم يحم يسوع، بل أقامه من الأموات.