د. مينا ملاك عازر
إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم
يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها، إن هذا الوطن العزيز هو وطني.. مثلما هو وطنك لمصري ومصرية.. فيه عشت.. وحاربت من أجله.. ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه.. وعلي أرضه أموت، وسيحكم التاريخ علي وعلي غيري.

هذه الكلمات التي اخترت أن أبدأ بها مقالي اليوم كلمات قالها الرئيس مبارك في إحدى خطبه التي خطبها إبان انتفاضة الخامس والعشرين من يناير، وقالها متمسكاً بالبقاء ببلاده، ورافضاً كل المحاولات للسفر خارجها ليعيش آمن هادئاً هانئاً بعيداً عن مهاترات المحاكم والسجن، لكنه قبلها، لا أتحدث عن كيفية قبوله لها؟ وكيف قضى المدة التي كان محبوساً إبانها؟ لكنه قبلها، وأصر على عدم ترك البلاد، أعرف أن البعض من الكارهين للرجل سيقولون لأنه كان مستف ورقه، وكان يثق فيمن يحكمون بأنهم لن يتركوه ليحبس، وهذا ما جرى، لكن ما أثق فيه، أنه وإن كان واثقاً من براءته بأي كانت الطريقة، لكن لم يكن يعرف أنه سيتعرض لموقف أن يقف وراء القضبان، وينادى عليه، ويجيب أفندم، موقف صعب على كل من كان في مكانه ومكانته، كان رئيس لمصر، وأحبه الكثيرون، وكانت له السلطة والسطوة، كما أنه لم يكن يضمن أبداً أن يبقى إلى أن تثبت براءته ويموت، وتعمل له جنازة عسكرية تليق بجهده الذي بذله في حرب أكتوبر، وهذا يكفيه.

أنا لا أحاسب الرجل، فأعرف أن في عهده جرف التعليم وحدثت الكثير من الجرائم الطائفية، وأن الإخوان مدهمأرتفع وزاد، ما لا أنكره، ولا يستطيع أحد إنكاره، أنه كان قائد عسكري شديد المراس وناجح، ونجح بإعادة بناء قواتنا الجوية من العدم تقريباً، ونجح في أن يجعلها قادرة على أن توجه ضربة كتلك التي ضربها لإسرائيل في طيرانها ونقاطها الحساسة في طول خط المواجهة مع مصر.

مبارك الذي عرفناه، كان قوي، مواجه ذكي، لا يعرف الهرب والفرار من الميادين، ولذا هو له في قلوب الكثيرين مكانة كبرى، زاد الفقر في عصره، لكن الفقراء الذين كانوا فقراء في عصره أحبوه، ولا نقموا عليهخاصة بعد أن رأوا الحال الأشد فقراً، مبارك رجل أحب مصر وحارب لأجلها ومات بها، وحققت كلماته بالحرف، ولم يفعل كسائر الزعماء الذين ثار عليهم شعبهم حتى أفشلوادولهم، ودمروا شعبهم.

الأهم هنا، أن نطلب للفقيد الرحمة وللأسرة الصبر والسلوان، وأن يبقي لمصر أمثال هؤلاء الرجال الذين حبوها وبذلوا أنفسهم لأجلها، وأن وإن كان على مبارك مخالفات فشل القضاء في إثباتها، والحكم عليها بمقتضاها، أن نكون ذوي نظام قانوني وسياسي صارم يمنع أي رجل أيا كان من اقتراف مثل تلك المخالفات، وفعل الجرائم التي تدمر التعليم وتخرب البنية التحتية، وتهمل الفقراء، وتهدم البلاد، وتبني أمجاد شخصية لبضعة أفراد في سبيل بقائهم فترات طويلة على السلطة بتغيير الدستور وتدمير الحياة السياسية وتشويه الحياة الحزبية، فهل وعينا الدرس أم سنكرر المأساة إلى أن يقولها لنا آخر، إن فلان الذي يحدثكم الآن .....

المختصر المفيد الشجعان يموتون، والعباقرة يصابون بالجنون، ويبقى العالم مليء بالمغفلين السعداء "ألبتشينو".