كتب – أحمد المختار
 
نعيش الآن علي وقع تفشي وباء فيروس " كورونا " المُستجد ، و تشهد العديد من دول العالم حصيلة يومية رهيبة و ضخمة من وقوع إصابات و تسجيل الكثير من حالات الوفاة ، في المقابل نري الحملات الإعلامية و توجيهات و تعليمات السلطات الصحية بضرورة فعل شيئين اثنين لا ثالث لهما و هما " خليك في البيت – اغسل ديك " ، و في ظل الاهتمام المنتشر بطرق التعقيم و التطهير للوقاية من الفيروس التاجي ، كان لزاماً معرفة أصل من أين أتت فكرة " تعقيم اليدين " ؟ ، و نستعرض هنا سيرة صاحب نظرية " تعقيم اليدين " و " مُنقذ الأمهات " ، و هو الطبيب المجري " أجناتس سيملفيس " ، و هي علي النحو التالي : 
 
من هو ؟  
وُلد المجري " أجناتس سيملفيس " في عام " 1818 " في العاصمة " بودابست .
 
و حصل " أجناتس " على الدكتوارة من جامعة " فيينا " ، و اشتغل طبيباً في قسم التوليد بمستشفى " فيينا العام " .
 
تعقيم اليدين
في عام " 1846 " ، لاحظ " أجانتس " بأنه هناك ارتفاع في نسبة الوفيات بأحد الأجنحة عند " الرضع " فضلاً عن " الأمهات " التي تلدن حديثاً علي أيد الأطباء المدربين ، حيث كانت تتجاوز النسبة " 10% " و بلغت أحيانا " 40% " ، بينما في المقابل الجناح الخاص " بالتوائم " الذي يشهد تدريب المُمرضات القابلات لا تتجاوز النسبة " 3% " .
 
و في عام " 1847 " اكتملت الصورة لديه عن أسباب الوفيات لدى الرضع و النساء " بحمى النفاس " ، عندما توفي زميل له نتيجة " تعفن في الدم " ، و بعدما كان يشرح الجثة ، و لاحظ أن طلاب الطب يذهبون مباشرةً من عملية " تشريح الجثث " إلى جناح عمليات الولادة دون أن يقوموا بتعقيم ليديهم ، تيقن أن الجثث حاملة لجسيمات غير مرئية ، يمكن أن تكون قاتلة و تُسبب الوفاة .
 
أيقن حينها أن " حمي النفاس " مرضٍ معدٍ ، و أن هناك مادة ما في تشريح " الجثث " متورطة في تطور هذا المرض ، لذلك أدرك أن الصابون ليس كافياً ، ففرض " أجانتس " غسل اليدين لمدة خمس دقائق باستخدام محلول قوي " ماء الليمون " المُعالج بالكلور " هيبوكلوريت الكالسيوم " قبل فحص النساء الحوامل ، فكانت النتائج الفورية انخفاض في معدل الوفيات بين النساء بحمى النفاس لـ " 1.3% "  ، و أحياناً أصبحت منعدمة .
 
و رغم نجاحه تعرض للهجوم من الأطباء و معظم المؤسسات الطبية بفيينا .
 
مُنقذ الأمهات
بعد اكتشافه المدوي ، تم تلقيب " أجانتس " بمنقذ الأمهات ، حيث تم تجنب الموت نتيجةً لحمي النفاس ، و منع انتشار العدوى ، و أيضاً سعيه لفرض تعقيم اليدين في الوسط الطبي قبل كل عملية ولادة .
 
الانتقادات الحادة 
على الرغم من اكتشاف " أجانتس " المُذهل ، ساء فهمه ، و بدأت مشاكله ، و أصبح يُهاجم من طرف زملائه في الطب ، الذين أحسوا بأنه هاجمهم و اتهمهم بنقل الجراثيم للمرضى ، و يتسببون في موتهم ، لذلك لم يتم تجديد عقد عمله .
 
الموت 
أُصيب " أجانتس سيملفيس " باضطرابات عقلية ، لذلك تم إيداعه في مستشفى الأمراض العقلية في عام " 1865 " ، حيث توفي هناك عن عمر ناهز الـ " 47 " عاماً .
 
شهرته بعد وفاته 
الغريب أن " أجانتس " لم يتمكن من تقديم تفسيرات علمية مقبولة للنتائج التي حصل عليها ، التي ربطت بين غسل الأيدي بطريقة صحيحة ، و وفيات الرُضع و النساء ، إلا أن ممارساته اكتسبت قبولاً واسعاً بعد وفاته بسنين قليلة .
 
و في نهاية القرن 19 سيتم تذكره ، بعد أن أثبت " باستور " و " ليستر " و " كوخ " ، وجود " ما يسمي بالـ " ميكروبات " في دعم نظرية " جرثومية المرض " و تطور علم الجراثيم .