حمدي رزق
قليل البخت، والأم المصرية قليلة البخت، عيدها أطفأت شموعه جائحة كورونا، ولكن فى كل جائحة سعادة مخبوءة، فلتسعد الأم باجتماع الأسرة فى حظر طوعى، ربما يتحوّل إلى حظر قسرى، أخيرًا ستضم أبناءها تحت جناحها، وتطمئن عليهم، وتأنس وتتونس بهم، عيد الأم هذا العام يستمر لأسابيع هكذا أعتقد، عيد الأم أن ترى الأبناء والأحفاد من حولها، يقبّلون رأسها، ويتباركون بدعائها، ويستبشرون بضحكتها فى وجه الزمن الصعيب.

اجتماع الأسرة المصرية فى حظرها الطوعى خليق بالتدبر، فرصة وسنحت لعودة لُحمة الأسرة المصرية، ولمّ أطرافها، وإعمار علاقاتها، ولُقمة هنية تكفى مية، واجتماع من جديد على الطبلية (السفرة)، وأحاديث المساء والسهرة، والتسلية بالأفلام الأبيض والأسود، والقفشات والنوادر والحكى البسيط، والمقالب والألعاب، والطرائف والعجائب، طرائف الصغار وعجائب الكبار.

كورونا أعادتنا إلى الأيام الخوالى، أيام الفطور قبل الشروق، وشاى العصارى، ولمة الأسرة على «كيكة» الأم الطيبة، فرصة عظيمة سنحت لهجر الموبايلات، وتجنب الفيس، ومغادرة سبق التريند، ولو مؤقتًا ولو على فترات، والتفرغ مجددًا للأسرة، والسؤال عن الحال والأحوال، والأمراض، والسكرى كيف أصابه، والقلب العليل، وتيبس المفاصل، شكواى ونجواى، فرصة تتشاطر الأسرة كل الأحلام والآلام مجددًا بعد هجر طويل.

لو غادرنا العالم الافتراضى وهبطنا على سطح الأرض مجددًا سيكون إنجازًا طيبًا، فرصة للتخلص من إدمان الفيسبوك، للإقلاع عن نداهة تويتر، إدمان الفيسبوك يختطف المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يحيلك لعالم آخر فتصبح غريبًا، تخيل أن فيروس كورونا يجمع الأشقاء الغرباء، طوبى للغرباء.

فلنعد إلى البدايات، إلى الأصول، ونحوّل المحنة إلى منحة، والمنحة أن تعثر على أسرتك، وتعود إلى فرشتك، وتطمئن على أمك، وتسند عجز أبيك، وتسعد بابنك وحفيدك، وتجلس إلى زوجتك، وتلهو مع أحفادك، وتودع قليلًا طموحاتك ومغامراتك وأسفارك، أن تهبط طائرتك على مدرج الأسرة بعد طول تحليق فى فراغ.

عطفًا على قلة البخت، الأم لا يسعدها إلا رؤية أولادها سعداء، تستمد فرحتها من غبطتهم، وهناءها من سعادتهم، وراحة بالها من راحتهم، قلب الأم أكبر القلوب جميعًا، مفعم بالمحبة، يدفق حبًا وحياة، واللى من غير أم حاله يغم، واليُتم الحقيقى يُتم الأم، الله يرحم الراحلات ويطيل فى عمر الباقيات يهبننا الحياة.

الأم، مثلها مثل شجرة «توتة» على ساقية تطعم الجائع ويستظل بها الشقيان، وضحكتها ما شاء الله مجلجلة، تزغرد فى وجه الزمان، وتغنى يا صباح الخير ياللى معانا، وإن أحبت عشقت، وإن عشقت تعشق قمر، مفطورة على الصبر، وحزامها على وسطها فى قلب الأرض، ولا عمرها اشتكت ولا قالت آه، بوركت سيدتى وبارك الله من أكرمك فى عيدك.
نقلا عن المصرى اليوم