ألفى شند
لاهوت التحرير مصطلح أُطلِقَ على تيّارٍ لاهوتيٍّ مسيحيٍّ ظهر في خضمّ الظروف التي شهدتها أميركا الجنوبية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى .
 
أول مرة فى العام 1968وبالتحديد في جمهورية بيرو، وامتدت تبعياته  إلى خارج القارة  ، لاسما البلدان التى ترزح تحت نير القهر و الظلم والفقر فى أفريقيا وآسيا ، ولكن بمسميات أخرى ، وأُطرٍ مختلفة ، من قبيل لاهوت السود (black theology) واللاهوت الأنثوي (feminism theology) .
 
يستند مؤيدي لاهوت التحرير إلى بعض أنبياء العهد القديم . على سبيل المثال، يحذر سفر ملاخي 3: 5 من دينونة الله للذين يستغلونالعامل : "وَأَقْتَرِبُ إِلَيْكُمْ لِلْحُكْمِ وَأَكُونُ شَاهِداً سَرِيعاً عَلَى السَّحَرَةِ ... وَعَلَى السَّالِبِينَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ: الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ وَمَنْ يَصُدُّ الْغَرِيبَ وَلاَ يَخْشَانِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ". (أنظر أيضاً إشعياء 58: 6-7؛ أرميا 7: 6؛ زكريا 7: 10). والى أقوال المسيح في إنجيل لوقا 4: 18 التى تبين عطفه على البائسين: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ". (أنظر أيضاً إشعياء 61: 1).  والى أقوال معلم الكنيسة الرومانية "توما الاكوينى :"  إذا انتهك الحاكم القانون والعدالة، يحقّ للمحكومين أن يتمردوا على الحاكم، بل يجوز قتله أو نفيه، ولكنه أجاز ذلك فى حالتين :  إذا ما اغتصب الحاكم السلطة واستولى عليها بالقوة من غير وجه حقّ، أو إذا ما أصدر الحاكم أوامر ظالمة، حتى وإن كان الجميع يعتر بأن حكمه شرعي . لكن قتل الطاغية أو الغاصب فغير جائز لفرد يقوم به من تلقاء نفسه، ولكن للشعب بأجمعه أو ممثلًا في مجلس مشروع أن يستعمل هذا الحق.
 
 يتمحور "لاهوت التحرير" حول خلاص الإنسان وتحريره على كافّة الأصعدة، ورفض كلّ تفسير يدجّن يسجن الإيمان في ممارسات تقويّة بحته . وفي تفسيرات روحيّة محضة، ويدعو لتحريك المجتمع الكنسي ليمارس ما يلزم عمله لمساعدة المظلومين والبائسين والمحرومين والفقراء من تغيير اوصاعهم  والدعوة تحمل قيام المجتمع الكنسي بكل ما يمكن عمله لتحرير المطحونين ليكونوا مستقلين، لهم سيادة على ذواتهم دون اعتماد على الغير، لذا فإن لاهوت التحرير ليس مجرد دعوة للتحليل العقلاني فحسب، بل دعوة للعمل الرعوي والخدمة النابعة من سماع أصوات الفقراء في كل عصر.
 
بدأت إرهاصات "لاهوت التحرير" الأولى عام 1955 في لقاء لأساقفة أمريكا اللاتينية الكاثوليك  في مدينة "ريو دي جانيرو " الارجنتية ، للتأكيد على  ضرورة تعزيز الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الانسان، وأحوال الفقراء، و تكوين  عدة حركات شعبية مثل حركة الطلبة المسيحيين، وحركة العماالمسيحيين، وحركة الفلاحين المسيحيين، وحركة التعليم الأساسي.  
 
في 1968 رأى المجتمعون فى مؤتمر ميديللين في كولومبيا،  أن كل شعوب أميركا اللاتينية فى ظل الأنظمة العسكرية الفاشية القائمة المتحالفة مع قوى رأسمالية تعيش في سجن كبير، وبالتالي هناك ضرورة لتحرير هذه الشعوب من هذا السجن الكبير واستنشاق نسيم الحرية والعدل الاجتماعى . وصدر عن المؤتمر وثيقتان بأسم العدالة والسلام، واعتبر المؤتمرون أنها ليست ساعة الكلام بل ساعة الفعل والعمل ارتكازاً إلى ثلاثة مفاهيم لبناء المجتمع الجديد وهي :  إثارة الوعي لدى الجماهير لكيما تدرك أهمية التغيير ، التحرير من الظلم والفقر والقهر ، المشاركة في الإصلاح.
 
فى اطار هذا العمل ، ظهرت الحاجة الى بلورة لاهوت التحرير . فعندما  طُلب من الأب "جوتييريز" اليسوعى  إعداد تقرير عن لاهوت التنمية، رأى استحالة الحديث عن لاهوت التنمية بدون الحديث عن لاهوت التحرير. في الوقت عينه، فى الوقت عينه 
كان "ليوناردو بوف" متأثراً بحركة التجديد الروحى ، ينتقد علناً انغلاق الكنيسة وجمودها في مواجهة مشاكل الفقراء ، ما عرّضه إلى المحاكمة على يد الكاردينال "راتزينجر" رئيس مجمع العقيدة والايمان الذي صار لاحقاً البابا بندكتوس الثالث عشر، وأجبر على الصمت فترة من الوقت ، حيث عاد فيما بعد  إلى الكلام عن "لاهوت التحرير" .
 
أفكاره :
من الكتب المؤثرة في ترويج لاهوت التحرير . كتاب "ليوناردو بوف" الفرنسيسكانى "يسوع المحرر،" في سنة 1971  ودراسة نقدية لعلم المسيح"، ففي كتابه، انتقد بوف اللاهوت الدراسى الجديد لشخص المسيح، وتجاهل بعده الإنسانيّ؛ المسيح التاريخي الذي سطّر حياته التبشيريّة من خلال مواجهةٍ مفتوحةٍ مع السلطات الدينية والسياسية لزمانه. فبحسب "بوف"، كانت رسالة المسيح التحريرية تمثّل تحدياً للسلطات الدينية اليهودية والسلطة السياسية الرومانية. فهذا المُبشِّر الشاب، ابن نجارٍ بسيطٍ من الجليل ، بدأ رسالته بصعوده منبر المجمع اليهودي في الناصرة، حين دُعِيَ، ككلّ شابٍ بلغ سن الرشد، إلى قراءة التوراة. فاختار يومها، قصدًا، أن يقرأ من سفر إشعيا المقطع الذي يُنبئ بمجيء المسيح المُنتظر، مُقدِّماً إياه كمحرٍّرٍ: "روح الربّ عليّ، لأنّه أرسلني لأُشفي منكسري القلوب، وأُعيد للعُمي بصرهم، وأُعلن للأسرى إطلاق سبيلهم، وأُبشِّر المسحوقين بالحرية (متى 4 : 18) أعاد الكتاب إلى الكاهن، معلناً أمام الحضور: "هذه النبوءة تمّت اليوم على مسامعكم".
 
ووفقاً لـ "بوف"، كانت رسالة المسيح منذ بدايتها رسالة تحريرٍ. فحين قدّم نفسه ابناً لله وملكاً، كان يتحدّى ملك ذلك الزمان،. كما تحدّى المسيح حينها طبقة رجال الدين اليهود ، إضافةً إلى لعبهم دور الشرطي الذي يُبقي الشعب خاضعاً لروما بانتظار مجيء المحرّر.
وحسب "بوف"، وفى كتابه بقول "بوف" ان أوضح المسيح جليّاً شكل المملكة التي أتى يُبشِّر بها، فوصفها بأنّها مملكةُ الله التي يصبح فيها "الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ" (متى 19 : 330) ؛  مملكةٌ يُرفع فيها المتواضعون، ويُنزّل فيها المتكبّرون عن كبريائهم. ملكوتٌ يرِثُه الفقراء، ويشبع فيه الجياع، ويفرح فيه الباكون. (متى 5 : 112) ملكوتٌ لا يُعبد فيه سيدان: الله والمال، بل الله وحده، ( منى 6 : 244)  جاعلًا المال نقيضاً لعبادة الله، مُعلناً أنّه "من الأسهل أن يدخل جملٌ من ثقب إبرةٍ من أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت الله" (متى 19 " 24).  ملكوتٌ ليس من هذا العالم، راديكاليٌّ إلى حدٍّ لا يطيقه البشر في أسلوب حياتهم الأنانيّ ( يوحنا 15 :19). 
 
ويشرح "بوف" أنّ كون ملكوت المسيح من خارج العالم، ، فهذا يعني أنّ قدومه إلى العالم يتطلّب تغييراً جوهريّاً وجذريّاً لعالم البشر، أو ولادةً بشريّةً جديدةً مختلفةً تماماً. ويرى "بوف" أنّه وبحكم عدم إتمام المسيح لملكوته في حياته بسبب محاكمته وصلبه، فإنّ الملكوت الذي أتى به، والذي لا يمكن أن يُدفن أو يُزال بعد دخوله التاريخ، قد وُلد مجدداً بقيامة المسيح من الموت في اليوم الثالث. وبمعنىً آخر، فإن البشريّة الجديدة التي سعى لتأسيسها، ولم تتحقّق في حياته، قد انفجرت كالنبع من قبره الذي دُفن فيه، ووُلدت بقيامته إلى العالم، متجاوزةً التاريخ والزمان وقوانين الطبيعة.
 
ةحسب "بوف" ان  ظهور المسيح بالجسد الحيّ كما ورد فى الاناجيل ، بعد قيامته، في أكثر من مكانٍ في آنٍ واحدٍ، فيدخل الغرف المُغلقة دون فتح الأبواب، وغيرها من الإشارات التي رأى فيها "بوف" رموزاً للعالم الجديد الذي لا يُطيع قوانين العالم الحالي، لأنه ليس منه، بل نقيضٌ له، رغم أنّه زُرع كبذرةٍ فيه من خلال موت المسيح وقيامته. ومن هنا، يعتبر "بوف" أنّ رسالة المسيحيّين تكمن في متابعة عمل مُعلّمهم الأوّل، من خلال بناء العالم الجديد، امتدادًا لحضوره في العالم، والنضال من أجل تغيير العالم. 
 
وفي 1971، أصدر "جوتييريز" كتابا بعنوان "لاهوت التحرير" لذي اعتبر أن التحرير يتحقق على ثلاث مراحل: 
1 - مرحلة التحرير الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع حتى تتساوى الطبقات.
2- مرحلة تحرير الفقراء حتى يساهموا في توجيه دفة الأمور في البلاد. 
3 - مرحلة تحقيق الأخوة الإنسانية بين الجميع بناء على الإيمان المشترك للكل. 
 
وقد خلت هذه النقاط من أي إشارة لاهوتية أو عقيدية أو دينية، فما شدد عليه هو إدانة وقوف الكنيسة إلى جانب الأغنياء، والدعوة  الى أعاد قراءة الكتاب المقدَّس مركزاً على المقاطع التي تهتم بقضايا الفقراء والظلم والحرية .
 
أيضا كتاب "لاهوت"  التحرير " الذى صدر سنة 1971 للاب جوستافو جوتييرّيس" ويتضمن  نقداً للّاهوت المسيحيّ التقليديّ الذي ظلّ رهينة المفاهيم المجرّدة لقرونٍ، دون أن يتعامل مع متطلّبات الحياة المسيحيّة اليوميّة، انطلاقاً من أنّ واقع أمريكا اللاتينيّة يتطلّب لاهوتاً يستجيب لمشاكل شعوبها، بتوافق مع تفسير "بوف" لرسالة المسيح، وفى هذه النقطة يرى "جوتييرّيس" أنّ التناقض القائم بين كون المجتمعات اللاتينية مسيحيةً جداً، وكونها في الوقت نفسه لايتمتع افرادها بالمساواة ويعانون من للفقر والظلم بشكلٍ مستمرٍ، تناقضٌ يعود إلى طبيعة اللاهوت المسيحيّ الذي علّمته الكنيسة الرسمية لقرونٍ في هذه البلدان، والذي لا يأخذ طبيعة هذه المجتمعات وقضاياها بعين الاعتبار.
 
يركّز "جوتييرّيس" على التعليم  الكمسى التقليديّ حول مفهوم "الخطيئة"، التي لطالما اعتبرتها الكنيسة في لاهوتها التقليديّ عملًا فردياً يستلزم توبةً فرديةً، مشيراً إلى أنّه أصبح ثمّة خطيئةٌ جماعيّةٌ، أو خطيئةٌ بنيويّةٌ، تستلزم توبةً جماعيةً في أمريكا اللاتينية، لكون الجميع شركاءَ في النظام الظالم، إما من خلال أسلوب حياتهم، أو من خلال سكوتهم عن الظلم.
 
وحسب "جوتييرّيس"، ليست التوبة الفردية حقيقيةً ما لم تؤدِّ إلى تحوّلٍ جماعيٍّ في المجتمع؛ أيّ إلى بناء مجتمعٍ أكثر عدلًا وإنسانيةً. ولأنّ الخطيئة الاجتماعيّة بنيويّةٌ، فإنّ التوبة عنها تعني إحداث تغييراتٍ بنيويّةٍ، سياسّيةٍ، واجتماعيّةٍ، أو بعبارةٍ أخرى، تتطلّب تغييراً ثورياً.
 
 ويختم "جوتييرّيس" باعتبار التبشير المسيحيّ غيرَ مُجدٍ ما لم يسعَ إلى إحداث هذه التغييرات الثوريّة في المجتمعات التي يُبشّر فيها، وأنّ هذا يجب أن يقوده بالضرورة إلى مواجهة النظام الرأسماليّ وكلّ توابعه، والسعي إلى استبداله بنظامٍ آخر قائمٍ على أسس العدل والمساواة. 
 
كانت لأفكار "بوف" و"جوتييرّيس"، وغيرهم من لاهوتيّي التحرير، أثرٌ واسعٌ في الأوساط الشابّة من قواعد الكنيسة، أدّى إلى انخراط الكثير من الشباب المسيحيّين في أمريكا اللاتينية، من رجال الدين وعلمانيين طوال عقدي الستينينات والسبعينيّات في الحركات التحرّرية. ومع أنّ لاهوتَ التحرير نشأ فى طروف اجتماعية وسياسية واقتصادية عاشتها أمريكا اللاتينيّة، فقد انتقلت معطياته خارج القارة اللاتينية ، مع فروقٍ شتّى في الأولويّات والتأويلات بين منطقةٍ أخرى.  و أخذ يتطوّرمن حيث المضمون الثقافى .  ويمكن القول أنّ لاهوتيّي تحرير أفريقيا كانوا الأكثرَ إبداعًا أو اجتهادًا من حيث التفكير والبحث والتبيئة الثقافيّة والجهويّة، في حين كان لاهوتيّو تحرير أمريكا اللاتينيّة أكثرَ تركيزًا على الصراع الاجتماعيّ والطبقيّ والصراع السياسيّ. وأما في آسيا فقد كان الوضع مختلفًا لأنّ نسبة المسيحيين قليلة وقد لا تتجاوز 3% من السكّان؛ ومع ذلك فقد برزتْ لديهم اجتهاداتٌ في اللاهوت تتحدّث عن تحرير  المزارعين والفلّاحين.
 
 وخلال السبعينينات والثمانينيات،عانت  الكنيسة الكاثوليكية من جراء لظهور لاهوت فى القارة ذات الثقل البشرى الكاثوليكى الاكبر فى العالم مخاطر تهدد وحدة بنية الكنيسة الجامعة ، بسبب مضمونه واسلوبه وصحة شروحه للكتاب المقدس ، و ومقاربته مقاربته للماركسية ، ولاسيّما أنّ بعض لاهوتيي التحرير قدّموا مقارباتٍ جريئةً على هذا الصعيد ، ففصة عن استخدام تعبيرات سياسية اقرب للمفاهيم الماركسية ، مثل التحرير محل الخلاص . يقول أنطونيو بيري   ، مثلًا، "إنّ الصنمية - التي تَظنُّ أنّها إيمان - أسوأُ من الإلحاد." وتحدّث عن "الإله الصنميّ" في وصفه "إلهَ البيض المنتصرين" و"إلهَ المستعمِرِين." ولذلك يرى "أنّ من الأحسن كثيراً أن تكون ملحدًا من أن تؤمن بمثل هذا الإله!"  وثمّة آخرون قبِلوا أن يتحوّل المظلومون والفقراء إلى العنف من أجل تحقيق مطالبهم. ، وتبنى فصيل منه العنف لاجل التحرر من الظلم والاستغلال .
 
  من أبرز رموز هذا الفصيل الراهب الكولومبي "كاميليو توريز" الذي حمل السلاح وقاتل إلى جانب الثوار الماركسيين حتى الموت تاركاً خلفه عددا من الراهبات والرهبان المقاتلين . ووصول بعض الكهنة من من رموز لاهوت التحرير إلى مراكز سياسية مهمة كنواب ووزراء، مثل جون أريستيد، وهو كاهن ساليزيانيّ من هاييتي، اشترك فعليًّا مع جماعات معارضة للحكم الديكتاتوري في بلده، وقد طلبت الرهبنة منه أن يتركها بعد ضغوط عليها من الحكومة. وفي أوّل انتخابات ديمقراطيّة وحرَّة أنتخبَ رئيسًا للبلاد ؛ على الرغم من حظر الفاتيكان عمل  الكهنة فى السياسة .
 
 ان ارتباط حركات تحررية بفكر لاهوتي أو بنزعة لاهوتية ليس أمرا جديدا ، وليست تجربة لاهوت التحرير هي التجربة الوحيدة . فلقد حفل التاريخ المسيحى بنماذج من المقاومة الشعبية للظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي في عصور مختلفة. ويكفي أن نذكر على سبيل المثال اقناع الرهبنة اليسوعية الفتية فى القرن السابع عشر الحكومة الاسبانية إنشاء مدينة "دولة" قوامها سلسلة من القرى والحواضر ، حيث قامت  بجمع الهنود الكوارانى ونقلهم من حال البداوة الى حياة الحضر ، ناعمين بالحماية والامان والحياة المدنية . وبالفعل ازدهرت أحوالهم على محتلف المستويات : الجتماعية والاقتصادية والثقافية  ، فضلا عن البنية العسكرية   . ويقيت تلك "الحواضر"  تؤدى رسالتها حتى سنة 1768 واجبار البابا اليسوعيين مغادرة المنطقة  بضغط من الملوك الاوربيين المعادين للكنيسة ولليسوعيين. وقبلها فى القرن الخامس عشر نضال وكتبات الادانة  النارية رجل الدين الاسبانى الاصل  الثائر المطران  "برتولومى لاس كازس" ضد حكومته الاسبانية الذي قاد الهنود ضد المستوطن الإسباني وانتصر للعبيد السكان الأصلي. 

موقف الكنيسة الرسمى  من لاهوت التحرير :
 بتكليف من البابا بولس السادس، قامت اللجنة اللاهوتية الدولية في سنة  1976  بدراسة حول لاهوت التحرير، وأصدرت وثيقة وأربعة تقارير ملحقة، جاء في مقدمة الوثيقة الإشارة إلى علاقة لاهوت التحرير بالفاتيكان الثاني، وظهور تيارات مختلفة تنتمي للاهوت التحرير، فهناك لاهوت جوستاڤو جوتييرّث أب لاهوت التحرير، الذي يستقي لاهوته من تأمّل كلمة الكتاب، ولاهوت جون سوبرينو الكريستولوجيّ، ولاهوت كمارا الروحيّ، وغيرهم ، والخوف من تسيس البشارة، والتأثير على وحدة الكنيسة، وأشارت الوثيقة إلى أن نقطة انطلاق لاهوت التحرير هي انتشار الفقر وغياب العدالة، وأن ظهور نمط جديد من اللاهوت يحمل فهماً جديداً للملكوت الذى صار يشمل الأرض ويثير عدداً من الصعوبات: كخطر إخضاع كل شيء للمناقشة والتسيّس والتركيز على التنديد النبوي- كما كان يفعل أنبياء العهد القديم في مواجهة الظلم، والتركيز على بعض وجوه اللاهوت الكتابي كقراءة العهد القديم من زاوية علاقته بموضوع التحرير، ودراسة العهد الجديد بما يوصل إلى استخلاص معنى التحرير المسيحي. وأخيراً تطرقت الوثيقة إلى مكانة الله والإنسان في عملية التحرير، ومعنى التحرير الشامل، والعلاقة القائمة بين ترقية الإنسان وخلاصه، ورفض الكنيسة التزام الكهنة بالسياسة ورإنما هى سالة العلماني، واختتمت الوثيقة ببعض التحفظات على لاهوت التحرير. من ثمّ توالَت الوثائق الصادرة عن مجمع العقيدة الإيمانية والتي تنتقد لاهوت التحرير ، وتتهمه بتحويل المسيحية إلى مجرد عنصر من عناصر التعبئة على الثورة.
 
وفى سنة 1984 قام الكاردينال جوزيف راتسنجر  رئيس مجمع عقيدة والإيمان بكتابة وثيقة تعّبر عن رأي الكنيسة الرسمي بشأن لاهوت التحرير، ولم ترد فيها أيّ إدانة، بل ما ورد فيها كان استنكارا لبعض الأفكار المغلوطة، وتأييدا للفكر اللاهوتيّ الذي ينظر إلى الفقراء ويسعى إلى خلاصهم انطلاقًا من «إنجيل يسوع المسيح، الذي هو رسالة حريَّة وقوَّة من أجل التحرير… ».
 
ولم تصدر حتى الآن منذ صياغة لاهوت التحرير أيّ وثيقة من الفاتيكان تدين هذا اللاهوت، وما حدث هو أن استجوبت الكنيسة بعض اللاهوتيّين حول أحد أو بعض كتاباتهم، وأصدرت خطابا يفنّد الأفكار المغلوطه .
 
ماذا تبقى من لاهوت التحرير ؟ :   
لقد  تراجع خطاب لاهوت التحرير مع بداية الالفية الثالثة .  ولا يتعلّق تراجعة بصوابيّة الرؤية أو أحقيّتِها، بقدْرِ ما يتعلّق بالظروف الملازمة فى المجتمعات الحاضنة لمعطياته. 
 
إن تجربة لاهوت التحرير اللاتينيّة ستبقى وستظل مصدرا لاستلهام إمكانيات واسعة للنضال لاجل رفع الظلم والعدالة. وصوت زاعق للكنبية فى كل مكان وزمان ، ان الخلاص المسيحى  لايعنى خلاص الفرد فقط ، بل هو فى الاساس الخلاص الجماعى من الخطيئة بمفهومها العام .