الكنيسة الروسية والدولة يشاركان في صنع الامبراطورية الروسية
البطريرك كيريل:  عصر بوتين “معجزة من الله"

سليمان شفيق
لعبت الكنيسة الروسية الارثوزكسية دورا مهما في التصدي للدولة الشيوعية منذ الثورة البلشفية ، وساهمت في تأسيس الجيش الابيض الذي كان يقاتل الجيش الاحمر ، وبعد انتصار الجيش الاحمر تم اضطهاد مطلق للكنيسة وللمؤمنين ، وهاجر كثيرين الي دول اخري واسسوا كنائس في تلك البلدان ضد الشيوعية ، ولعبت الكنيسة دورا سريا كبيرا ضد الحكم الشيوعي حتي سقط ، واذكر في اول احد بعد سقوط الحكم الشيوعي امتلئت كنائس موسكوبالالاف ، وكان ضابط المحابرات بوتين من هؤلاء المصلين ؟!!

وصار تقارب جديد بين الكنيسة والدولة حتي راينا كاهن أرثوذكسي روسيّ يبارك و يرش مياهًا مقدسة على طائرة هجومية من طراز سوخوي للقوات الجوية في المنطقة العسكرية الشرقية في مطار تشرنيغوفكا العسكري.
 
وازداد عمل الكنيسة والكرملين، يدًا بيد، للدفاع عن المشاريع القومية الروسية حيث يجلس البطريرك جنبا الي جنب مع بوتين والعسكريين، وحينما اقيم معرض بأسم  “روسيا -تاريخي” الذي نظمته الحكومة مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية،ووعرض في جميع أنحاء الاتحاد الروسي، وكان يمجّد الحكام الروس، ومنهم إيفان الرهيب وستالين، كزعماء عظماء ،تُعلّق صور الرئيس بوتين وألكسندر بوشكين، مؤسس الأدب الروسي الحديث، معًا.
 
وكانت الرسالة الواضحة للمعرض حينذاك، هي أن حجم روسيا وطموحاتها يتطلبان ، زعيمًا لتقوية البلاد وتحدي أعدائها في الغرب ،و كان هذا المعرض  مقترح  من المطران "تيخون شيفكونوف"، (أب الاعتراف للرئيس بوتين) ،هكذا  فإن دور الكنيسة وتأثيرها في الحكومة والجيش يتزايدان بثبات. تستكمل وزارة الدفاع الروسية بناء كاتدرائيتها الخاصة، التي وُصفت بأنها ثالث أكبر الكنائس المسيحية الأرثوذكسية.

منذ ذلك الحين عادت الكنيسة تلعب الدور الاساسي ، وبدلا من وضع اليد علي راس القيصر سابقا ، كان المرشحين لرئاسة روسيا يذهبون الي الكنيسة لاخذ البركة ، ولكن في الانتخابات الاولي لرئاسة بوتين ذهب البطريرك الي الكاتدرائية واعطي سر التناول بنفسة للمرشح بوتين ، في اشارة واضحة للعلاقة بين الرئيس والبطريرك .

تذكرت ذلك وانا اتابع تحركات الكنيسة الروسية فى الفترة الأخيرة نحو الفاتيكان والكنائس الأرثوذكسية فى الشرق الأوسط والاهتمام بعقد المؤتمر المسكونى للكنائس الأرثوذكسية، كل هذه التحركات تؤكد أن هناك تصورا واضحا للدولة الروسية وكنيستها للتوجه الإستراتيجى الذى يخدم أمن البلاد القوم، خاصة بعد تصريح بوتين الاخيرلرؤساء كنائس الشرق الأوسط، بحماية المسيحيين ووجودهم في المنطقة.

الكنيسة الروسية ومحاولة الزعامة الاثوزكسية :
كنيسة روسيا الأرثوذكسية هي اكبر كنيسة ارثوزكسية  شرقية مستقلة، حيث يربو عدد أتباعها على 125 مليون شخص، وتعدّ الكنيسة الوطنية لروسيا ومقر بطريركها هو موسكو، وقد وصلت المسيحية للبلدان السلافية الشرقية بفضل جهود مبشرين .

في عام 988م قام فلاديمير الأول أمير كييف (المعروف لاحقا بالقديس فلاديمير) باعتناق المسيحية على المذهب الأرثوذكسي داعيا جميع رعاياه على الدخول في هذه الديانة أيضا. ومع قدوم القرن الرابع عشر استقر مقر رئيس أساقفة كييف وعموم روسيا (رئيس الكنيسة الروسية) في موسكو، واحتفظت الإمارات الروسية الغربية بأبرشيات مستقلة ولكنها خضعت بدورها في وقت لاحق لسلطة موسكو، اي ان عاصمة المسيحية الارثوزكسية الروسية كانت كييف عاصمة اوكرينا قبل موسكو، ولذلك كانت الصدمة الكبري الان في انقسام الكنيسة الارثوزكسية الاوكراينيية عن الام في موسكو، في الخامس من يناير 2019، اصطف نحو 150 ألف شخص، أمام كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، العاصمة الأوكرانية. جاؤوا لرؤية وثيقة واحدة تسمى (توموس) أصدرها قبل أيام قليلة بارثولوميو، البطريرك المسكوني للقسطنطينية. هناك، على قطعة من ورق نفيس (شبيه بالجلد) مكتوبة باللغة اليونانية والإنكليزية والأوكرانية المزخرفة، كانت الكلمات التي حلمت بها الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، على مدى قرون: تعلن الكنيسة الأوكرانية استقلاليتها، عن موسكو
 
جاء إعلان الاستقلال هذا، على الرغم من المحاولات التي جرت -طوال أشهر- خلف الكواليس، بين مسؤولي الكرملين والكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ لثني البطريرك بارثولوميو عن إصدار التوموس. إصدار تهديدات غير محددة، ونددت بالبطريرك كعميل للولايات المتحدة والفاتيكان، ومع ذلك لم يتردد، وأُنجز الانقسام.
 
إنها ضربة خطيرة، على عدة مستويات، لطموحات فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وكذلك للكنيسة الروسية. حيث يشكل السكان الأوكرانيون الأرثوذكس نحو 30 في المئة من جميع المؤمنين المسيحيين الأرثوذكس تحت رعاية بطريركية موسكو. ستخسر موسكو الملايين من المؤمنين، إضافة إلى ملايين لا تُحصى من الدولارات من أملاك الكنيسة،

لكن هذه ليست الخسائر الأكثر أهمية. مع استقلال الكنيسة، فإن جزءًا كبيرًا من السكان الأوكرانيين لن يبقوا خاضعين الآن لتأثير موسكو في مسائل الكنيسة، وإنما سيتبعون كنيسة مستقلة في كييف. بكلمات أخرى: ربما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، لكنها خسرت أوكرانيا
الأهم من ذلك، أن الصراع على الكنيسة الأوكرانية أتى ضد جهود السيد بوتين لإعادة تشكيل روسيا الضعيفة، حيث إن 20 في المئة من السكان مسلمون، كأرض لشعب موحد له هوية واحدة، حدث ذلك الانشقاق في وقت كان الروس يعتبرون ان موسكو بأنها روما الثالثة (بعد القسطنطينية روما الثانية) وبأنها آخر حصن للعقيدة الأرثوذكسية الحقة، وهكذا في عام 1589 نال رئيس الكنيسة الروسية لقب بطريرك واضعا نفسه بمرتبة بطاركة القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية وأورشليم.

لانه منذ ان أعيد تأسيس البطريركية عام 1917 قبل شهرين من بدء الثورة البلشفية وذلك بتنصيب تيخون كبطريرك للكنيسة، ولكن تحت الحكم السوفييتي كانت الكنيسة محرومة من حقوقها القانونية وتعرضت لعملية قمع واضطهاد وخسرت الكثير من أتباعها نتيجة سيادة الفكر الإلحادي في الاتحاد السوفييتي وفي عام 1925 سجن البطريرك وقتل بأمر السلطات، ولكنها شهدت نهضة روحية كبيرة عقب انهياره عام 1991 حيث عاد إليها الملايين من الروس. خلف البطريرك تيخون عدة بطاركة لرعاية الكنيسة في تلك الحقبة الصعبة، وهم:
 
البطريرك سيرجيوس (1943-1944))
البطريرك اليكسيوس الأول(1945-1970))
البطريرك بيمين (1971-1989))
 
البطريرك أليكسي الثاني من 7 يونيو 1990 حتى تاريخ وفاته في 5 ديسمبر.2008
البطريرك كيريل الأول 2009 وما الأرثوذكسية عدة كنائس أرثوذكسية خارج روسيا، أبرزها: الكنيسة اليابانية الأرثوذكسية، الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية، الكنيسة الصينية الأرثوذكسية والكنيسة الكورية الأرثوذكسية.

للكنيسة الروسية اليوم 150 أسقفية و242 دير. وقد انفصلت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الولايات المتحدة عن الكنيسة الأم في موسكو عام 1970. ويتبع للكنيسة الروسية

الكنيسة الروسية ومحاولة خلق اممية ارثوزكسية:
 فى القرن الماضى بدأ الغرب فى استخدام الدين فى الحرب الباردة، وذلك عبر تسويق الاضطهاد الشيوعى للكنيسة الروسية، وضرورة دعم كنائس أوروبا الشرقية فى مواجهة الشيوعية، وأنشأ مجلس الكنائس العالمى 1948 بمباركة أمريكية وتمويل من CIA، لكن الرئيس جمال عبد الناصر وقداسة البابا كيرلس السادس أدركوا هذا المخطط مبكرا، وسار حذوهم الفاتيكان وكلاهما (مصر والفاتيكان) رفضا الانضواء فى ذلك المجلس، وبذلك حرم المجلس من أقوى كنيستين.. من هذا المنطلق بدأ اهتمام الكنيسة الروسية بالكنيسة القبطية مبكرا ومنذ الربع الأول من القرن التاسع عشر، ولدينا من هذه الفترة محاولتان لضم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للكنيسة الروسية.

كانت المحاولة الأولى فى وقت ولاية محمد على، حين أرسل قيصر روسيا مبعوثا للبطريرك القبطى بطرس الجاولى يعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حمايته، وحينذاك سأل البطريرك المبعوث: "هل قيصركم يموت ؟ فأجاب المبعوث: "نعم"، فرد البطريرك ولكننا فى حماية الله الذى لا يموت " وفشلت المحاولة. المحاولة الثانية فى عهد الخديوى سعيد (أثناء حرب القرم) وقام بها أحد الأساقفة الروسيين والذى أقنع بطريرك الاسكندرية للروم الأرثوذكس بالتنازل للبطريرك القبطى كيرلس الرابع تمهيدًا للإدماج الكامل للكنيسة القبطية للكنائس البيزنطية لكن المسعى لم يكتمل لوفاة البطريرك كيرلس الرابع فى ظروف غامضة
 
فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى، بدأ البطريرك المسكونى للكنيسة الأرثوذكسية من
مقره الأوروبى فى جينيف محاولة لإنهاء الخلافات بين العائلتين الأرثوذكسيتين وعمل على صياغة اتفاقية للاعتراف اللاهوتى المتبادل وبدأ فى عرضها على الكنائس المختلفة للحصول على موافقتها وقد وافقت عدة كنائس على الاتفاقية منها الكنيسة القبطية (جاءت الموافقة على أساس أن الاتفاقية تقر ما تؤمن به الكنيسة القبطية، كما أنها لا تمس بأى شكل من الأشكال استقلال الكنيسة).غير أن الكنيسة الروسية كانت أبرز المعارضين للاتفاقية وقادت حملة لمنع الكنيسة القبطية من أن تكون ضمن الكنائس الأرثوذكسية المعترف بها عالميًّا (وهو أمر لا يزعج الكنيسة القبطية على الإطلاق إذ تعتبر نفسها أهم كنائس العالم كونها كنيسة الإسكندرية العظمى) ولا زال الموقف المعلن للكنيسة الروسية من الاتفاقية كما هو لم يتبدل
فى السنوات الاخيرة بدأ الموقف فى الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية يتبدل، فنحن نلحظ اهتمامًا غير عادى من المؤسسات المسيحية فى روسيا وأوروبا الشرقية بكل كنائس المنطقة الأرثوذكسية، أيضًا كان استقبال الكنيسة الروسية للبابا تواضروس فى زيارته الأخيرة إلى موسكو استقبالًا حافلًا وكبيرًا وأكد على أن هناك تغيرًا إيجابيًّا ما فى الموقف الروسى من انضمام الكنيسة القبطية للأرثوذكسية العالمية، والاهم انهم اتفقوا على عقد المجمع المسكونى للكنائس أرثوذكسية فى عام ٢٠١٦ والذى كان  سيعقد لأول مرة منذ ١٢٠٠ عام (يتعثر انعقاد المؤتمر نتيجة لوجود مشاكل داخلية بين الكنائس المشتركة ). من الواضح ان تحركات الكنائس والمؤسسات الأخرى ليست بعيدة عن التحولات السياسية، فحسبما تقول مصادر صحفية روسية مطلعة فان لديهم قناعة بأن هناك قوسًا من الدول الإسلامية تحيط ببلدانهم يمتد من بلدان الاتحاد السوفيتى السابق ويمر بتركيا وألبانيا لينتهى فى البوسنة وهذا القوس بالنسبة لهم مصدر خطر، خاصة وأنهم يربطون الإرهاب بالحركات الاسلامية، وبناء عليه فإنهم يحاولون ضم الكنائس الأرثوذكسية المشرقية لهم

واخيرا :
خلال تجربة روسيا القصيرة مع الديمقراطية في التسعينيات، انتعشت الكنيسة بعد عقود من القمع. ولكن في عهد السيد بوتين، تعاونت الدولة مع الكنيسة واحتوتها. اعتمد الكرملين على الكنيسة الأرثوذكسية كقوة التوحيد الرئيسية في البلاد، وقدّم لها دعمًا ماليًا سخيًا. في المقابل، كانت الكنيسة هي المروج الرئيس لمفهوم “العالم الروسي” الذي يُنصّب الكرملين كمدافع عن الروس خارج روسيا. البطريرك كيريل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ذهب بعيدًا إلى حد اعتبار عصر بوتين “معجزة من الله".