د. مينا ملاك عازر

اليوم أحدثكم أعزاءي القراء عن نوع عجيب من الحروب، فهي صامتة باردة، لا تترك شظايا أو رائحة، ولا تملأ الجو دخاناً أو باروداً، ولا تخلف وراءها آثار تدمير،حرب لا ترى فيها فوهة مدفع، ولا دانة دبابة، ولا صاروخاً موجها،إنها السلاح الفتاك والأكثر شراسة، إنها الحرب البيولوجية.

فيمكنك بكل بساطة عن طريق إطلاق عدوى ما بأحد الفيروسات أو الجراثيم أن تهزم دولاً بأكملها وتدمر اقتصادها وتشل حركتها وتعلن فيها حالة الاستنفار القصوى كما لو أنها في حالة غزو خارجي.
 
والمتابع لما يحدث في الصين الآن نتيجة العدوى بفيروس كورونا الجديد والمنتمي لسلالة متلازمة سارس، إلا أن كورونا الجديد تم تطويره لينتقل بين الأشخاص وليس فقط من الحيوان للإنسان، المتابع لذلك سوف يفهم مغزى هذا الحديث.
 
والحرب البيولوجية يطلق عليها أيضاً الحرب الجرثومية أو الميكروبية، وهي تُصنَّف ضمن أسلحة الدمار الشامل، ولا تقل شراسة عن الحرب النووية والكيميائية، بل هي أخطرهم لأنها أقلهم تكلفة وأوسعهم انتشاراً وأبطأهم احتواءً.
 
فالأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية تحتاج تكلفة مادية عالية وأماكن للتصنيع ذات مواصفات خاصة وتحتاج علماء وخبراء على أعلى مستوى من التخصص، في حين أنك تستطيع تصنيع ترسانة كاملة من الأسلحة البيولوجية في زمن قصير وكل ما تحتاج إليه هو غرفة معمل وبكتيريا مُعدية، فخلية البكتيريا التي تنقسم كل عشرين دقيقة تستطيع إنتاج مليار نسخة جديدة خلال عشر ساعات فقط مما يجعل زجاجة واحدة من البكتيريا المعدية قادرة على القضاء على مدينة بحجم واشنطن الأمريكية أو  ووهان الصينية.
 
فعلى سبيل المثال نسبة واحد على المليون من جرام واحد فقط من بكتيريا الأنثراكس قادرة على قتل أي شخص بمجرد الاستنشاق، ومخطئ من يظن أن الحرب البيولوجية وليدة العصر، بل هي أقدم أنواع الأسلحة على الإطلاق، وهي حرب في الخفاء لا يمكن الإعلان عنها، والتاريخ حافل بنماذج كثيرة تم استعمال الحرب الجرثومية فيها.
 
فاليونانيون استعملوها قديماً ضد أعدائهم إذ كانوا حين يدخلون بلدةً يلقون بالجثث الميتة في مجرى مياه تلك البلدة ويلقون بالحيوانات النافقة والفئران والطيور الميتة لتلويث مياه الشرب، وكذلك كان يفعل الفرس والروم، أما المغول والتتار فكانوا يأتون على الأنهار الجارية وعيون الماء ويلقون فيها بآلاف الجثث لتلويثها، ويبدأون بجثث جنودهم الذين يموتون في الحرب بأحد الأوبئة التي كانوا يجهلون ماهيتها.
 
هذا كان أسلوب الحرب البيولوجية في الماضي انتظروني المقال القادم -بإذن الله- أسرد لسيادتكم بعض من الأمثلة التي تبرهن على عمل هذا في العصر الحديث بل والقريب. 
 
المختصر المفيد كفانا الله شر الحرب الصامتة بإذن الله.