عادل نعمان
كم كنت أتمنى أن يكون الشعب قادراً على مواجهة كورونا أو غيرها من المحن والكوارث بثقافة التعامل الذاتى، ومعرفته وعلمه الخاص، وانضباطه الداخلى، وفق برنامج محدد ومرسوم، يعرفه الصغير والكبير، المتعلم والجاهل، فإذا ما استعانت الدولة بقوات من الجيش لحصار هذا المرض، لم يكن هذا الحمل وهذا العبء بالكلية حملها أو عبئها بل مساعد ومشارك ومعين، ويصبح الشعب هو صاحب القضية، وهو المسئول عن سلامته وإن ساعده الغير، وهى كارثة هذا الشعب للأسف، ومحنة الأمة، غياب النظام، وتفشى السلبية، وانتشار العشوائية والإهمال، وذيوع الفهلوة والفوضى، وشيوع التهريج والتجاهل، بل الأدهى والأمر هذا الإشهار وهذه المجاهرة بكل هذه العيوب، وهذه المثالب التى تدمر الأمم وتفنى بها، دون اكتراث أو خجل، ويصوره البعض منا، أنها قدرة على التحدى واجتياز الصعاب، وليس هذا الأمر بالمحمود من الصفات، بل قل عنه شيئاً آخر تماماً، فليس هكذا تعبر الأمم من الكوارث، ولا تتكاثر وتتزايد المصائب بالأمم وتدمرها إلا بهذه المثالب وهذه العيوب.

ولم تتغلب الصين على هذا الوباء فى مدة وجيزة إلا بالعلم والجدية والانضباط والالتزام، الذى وصل إلى درجة الاعتقال والحبس لكل من يخالف النظام والقانون، فجاءت النتيجة على خير للناس وبسرعة فائقة، وما تفشى المرض فى إيطاليا إلا بالاستهتار وعدم الاكتراث، والتسيب والفوضى التى انتشرت بعد تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات وارتياد الناس الحدائق والمولات والسينمات والمطاعم، وكأن القوم أخذوا أجازتهم هذه للفسحة والتنزه، وليس للبقاء والالتزام فى البيوت لمنع تفشى المرض وإبطال انتشاره، فانتشر الوباء ودخل البيوت من أبوابها الواسعة، ولم تجد إيطاليا مخرجاً سوى التعامل بقسوة وقوة وغلظة مع الناس، ونحن للأسف نتبع منهج الإيطاليين فى أول الأمر، إلا أن المسافة بيننا وبينهم شاسعة، فهم أسرع فى تدارك الموقف والعودة سريعاً إلى المنهج الأصيل فى التعامل مع الأحداث، ونحن نظل على بعدنا منه.

أما عن الشعب فأتصور أن جديته من جدية الدولة، والتزامه من التزامها، وانضباطه من انضباطها، ولم تورث الدولة شعبها إرثاً نافعاً من نصف قرن ويزيد، تركته يورث نفسه ما يراه صالحاً وما يراه غيره فاسداً، فتلاعب به تجار المصالح والمفاسد والشعارات والفن الفاسد الهابط والأديان، ولم يرث شيئاً نافعاً مفيداً إلا من رحم ربى، وكنا نود أن نبدأ المعركة الحقيقية فى البناء بهذا الوارث، حتى إذا ما اشتد عوده وعاد إلى سابق علمه وحضارته كان أحق بالبناء وأصلح للحفاظ على مقدراته ومصيره وثرواته، وليس من سبيل الآن إلا تفعيل القانون وعودة الانضباط إلى الشارع فوراً، والالتزام مهما كانت التضحيات والتبعات دون مجاملة أو مهادنة أو مسايسة، وأؤكد أن هؤلاء المستهترين هم أول من سيرفعون راية المساءلة والمحاسبة عن تقصير الدولة فى عدم إرغام الناس على الجدية والانضباط.

الأمر جد خطير ومهلك ومدمر إذا تركنا الناس وشأنهم دون رقابة والتزام، يتجولون كما يحلو لهم، ويمارسون حياتهم بعشوائية معتادة ومتحكمة، سواء فى البيع باستغلال أو الشراء بهوس وإسراف، أو تكاسلنا فى إغلاق المحلات والكافيهات وأماكن اللهو والسينما وغيره، وتركنا لهؤلاء العابثين من الطرفين سواء الموظف العام أو صاحب المنشأة التلاعب بأرواح الناس ومصائرهم، أو تركنا الزحام فى الشوارع ووسائل المواصلات المختلفة على هذا الشكل المخيف والمرعب دون ضبط كامل لا يقبل المناقشة أو التبريرات، أو ندع هؤلاء الصيادلة وتجار الدواء والدعاء يتلاعبون بالأسعار والأدوية ويغشون الناس جهاراً نهارا دون محاسبة المسئول عن هذا، أو ندع هؤلاء المنتجين والتجار يتلاعبون بقوت الشعب، حالة الطوارئ القصوى أصبحت ضرورة حياتية، إما أن نكون أو لا نكون.

ضرورة أن يخرج على الشعب من يخاطبه بحزم وقوة، يتوعد من يخالف النظام والقانون، ويقسم له غير حانث أو متهاون بالضرب بيد من حديد على كل من يخرج عن التعليمات، ويهدد من يغش أو يسرق أو يرتشى أو يتلاعب بقوت الشعب ومصيره أو يستغل حاجة الشعب بالاعتقال الفورى، الغلظة والقسوة والبطش على المخالفين طريق النجاة، الشعوب كلها مصيرها على دقيقة أو ساعة، بل الكارثة الآن لا تحتاج لأكثر من مجموعة بسيطة مهملة متسيبة تضيع أمة بأكملها.

أيها القائمون على أمر البلاد والعباد، كونوا أمناء مع الشعب، واصدقوه القول، فلا يخرج علينا مسئول يعلن جاهزية المستشفيات لاستقبال المواطنين من المصابين أو المشتبه فيهم، فإذا ما مر المواطن بالتجربة وكان ما رآه مؤسفاً ومخجلاً فلا تدعوه للصدق ولا تحاسبوه على الفوضى ولا تتوعدوه إذا خالف النظام، الوقت ما زال فى أيدينا، راجعوا أنفسكم ورتبوا قدراتكم وإمكانياتكم، وجهزوا وحدات داخل المستشفيات العامة والخاصة لاستقبال هذا المرض فقط دون غيره حتى لا يختلط المصاب بغيره، ولا تعتمدوا فقط على مستشفيات الحميات، وتركنوا وتصدقوا التقارير المغشوشة، وإن كل شىء تمام، وهو ليس تماماً كما يقولون ويقررون. لنا الله من قبلكم ومن بعدكم ومن الشعب ومن الناس أجمعين.
نقلا عن الوطن