بعد بدايات بطيئة خرج الذكاء الاصطناعي في بداية القرن من جدران المختبرات والتجارب والتطبيقات المحدودة إلى الاستخدامات واسعة النطاق.

ثم انتشرت تطبيقاته في الأعوام الأخيرة فعُرف بين عامة الناس، وتردّدت أخباره في وسائل الإعلام. وتضافرت عوامل في تحقيق هذا النجاح، منها التحسن المطرد لتقنيات الذكاء الاصطناعي، ثم الارتفاع الكبير في قدرات المعالجة الحاسوبية، وتوافر البيانات الضخمة التي تجمعتها لنا النظم الرقمية يوميًا.

لكن هذه التطورات تطرح تساؤلات منطقية عن القيمة الفعلية والمنافع التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للأفراد والشركات والمجتمع عمومًا.

ولهذا عملت «مؤسسة دبي للمستقبل» على دراسة المسائل التي يطرحها موضوع «القيمة في عصر الذكاء الاصطناعي» بالتعاون مع عدد من الجهات والاختصاصيين والخبراء وأصحاب الفكر، لتسليط الضوء على آثار الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبيانات الضخمة في القرن الـ21.

ويتطلع الكثيرون لتطبيقات الذكاء الاصطناعي لقدرة هذه التقنية على تعزيز الرخاء وتحسين حياة البشر، لكن أي تغيير قد يتسبب باضطراب في النظم السائدة، ويتطلب هذا من واضعي السياسات والشركات العمل على الاستفادة من إيجابيات الذكاء الاصطناعي وتجنب مخاطره.

 ويقدر جايمس مانييكا، رئيس مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، أن استخدام الذكاء الاصطناعي والتحليل المنطقي في مختلف المجالات عالميًا بإمكانه توليد قيمة تبلغ 3.5 تريليونات إلى 5.8 تريليونات دولار سنويًا.

 ويعني ذلك إضافة ما يصل إلى 13 تريليون دولار إلى الناتج الكلي العالمي بحلول عام 2030، ما يؤدي إلى رفع المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من نقطة مئوية.

ويقدر جاك بوغين، مدير مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أن إسهام الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي سيزيد من حجم الرعاية الاجتماعية، بمعدل 0.5 إلى 1% سنويًا من الآن وحتى عام 2030.

 ويحاكي ذلك الأثر الاجتماعي الذي أحدثته الموجات السابقة لتبني التقنية، مثل ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات.

وتمثل انعكاسات استخدام الذكاء الاصطناعي على الصحة والبيئة جانبًا من أهم إسهاماته الإيجابية، فاكتشاف الأدوية الجديدة يصبح باستخدامه أسرع بكثير من الأساليب التقليدية، ويؤدي الاعتماد على نظم مدعّمة بالذكاء الاصطناعي إلى التحكم في الاختناقات المرورية وخفض التأثير السلبي لتلوث الهواء على الصحة بنسبة تراوح بين 3 و15% وفق أبحاث شركة ماكنزي.

 ويرى بوغين أن الذكاء الاصطناعي قادر على مساعدة العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي حددتها الأمم المتحدة، لكن للاستفادة منه علينا معالجة التحديات الجوهرية التي يطرحها، مثل ضرورة التقدم نحو مراحل ناضجة أكثر من هذه التقنية قبل أن نستطيع الاعتماد عليها تمامًا، وضرورة تحسين جودة نماذجها والتخلص من انحيازها بتوفير بيانات تدريب أعلى جودة.

ولابد أيضًا من الأخذ في الحسبان أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي وفق توقعات شركة الأبحاث ماكنزي إلى تغيير 375 مليون عامل في مختلف أنحاء العالم فئاتهم المهنية بحلول عام 2030.

ويتوقع أيضًا أن تتغير طبيعة جميع الوظائف تقريبًا نتيجة التعاون مع الآلات الذكية في مكان العمل، ما يتطلب مهارات جديدة وإعادة تدريب القوة العاملة.