سحر الجعارة
عندما وصف الرئيس عبدالفتاح السيسى حالة مصر بأنها «شبه دولة»، كان محقاً فى تحذيره للشعب من محاولات «إفشال الدولة»، التى يدبرها الإرهابيون والحاقدون من العملاء المغرضين الذين لا همّ لهم إلا هدم كل ما تحقق من إنجازات، وضرب العمود الفقرى للدولة بإشاعة روح اليأس والإحباط والشائعات المغرضة.

وبالتالى لم يكن «إعصار التنين» هو الاختبار الأول لقوة الدولة وهيبتها، واستعادة مؤسساتها للانضباط والعمل بشكل متناغم لتحقيق «إدارة الأزمات» بدقة، فقد سبق ذلك معركة الحرب على «الإرهاب»، ومعركة «البناء والتنمية».. ولولا صمود الشعب ووقوفه خلف قيادته السياسية حتى فى احتواء تداعيات تحرير سعر الصرف.. لما كان للدولة أن تصمد.

وفى تغريدة للسيد الرئيس، عقب انقضاء موجة الطقس السيئ، قال: «لا يسعنى سوى الفخر بمعدن الشعب المصرى الأصيل الذى أظهر أفراده روح تعاون عالية، وفدائية وترابطاً، تقول بوضوح إننا معاً يداً بيد أقوى من أى شىء.. كما أتقدم بخالص التعازى والمواساة لأسر الضحايا، وبكل الأمنيات بالشفاء العاجل للمصابين».

وحتى تستوعب معنى الروح الفدائية المتعاونة لا بد أن تقارن احتواء حى «الأسمرات» لسكان «العشوائيات» سابقاً، فى مقابل سكان حى «الزرايب» بـ15 مايو بالقاهرة، والذين رفضوا الانتقال من منطقة عشوائية تقبع فى موقع منخفض أسفل الجبل، ومع هطول الأمطار والسيل حدث انجراف وانهيار لعدد من البيوت وخسائر فى الأرواح والممتلكات والمواشى أيضاً.. ومع كل التعاطف والألم من أجل الضحايا لا بد أن أشير إلى أن هذا -للأسف- ثمن «العناد» والسير عكس الاتجاه!

لا يمكن لأى سياسة ترسمها الحكومة فى أى بلد فى العالم أن تدخل حيز التنفيذ والنجاح إلا بشعب يمتلك الوعى والإرادة، ولا يسلّم عقله لمحترفى الدجل السياسى أو العلمى أو الدينى.. نعم مر إعصار التنين بأقل خسائر ممكنة فى الأرواح والممتلكات.. لكننا أمام «وباء عالمى»، وبحسب رئيس منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فإن المنظمة ستستخدم هذا المصطلح فى وصف «فيروس كورونا» لسببين رئيسيين هما: «سرعة تفشى العدوى واتساع نطاقها والقلق الشديد إزاء قصور النهج الذى تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية اللازمة للسيطرة على هذا التفشى للفيروس».

إذن الإجراءات الاحترازية التى تتخذها الدولة ليست مثل قانون المرور الذى يحلو للبعض مخالفته، إنها إجراءات ملزمة وصارمة تضع خطاً فارقاً بين الموت والحياة.

لقد أمر رئيس الجمهورية بتعليق الدراسة فى الجامعات والمدارس بجميع أنحاء الجمهورية، لمدة أسبوعين، اعتباراً من يوم 15 مارس 2020، ورغم أن السوشيال ميديا كانت تشتعل صراخاً للمطالبة بمثل هذا القرار.. إلا أنه بقياس سريع لنبض الناس ستجدهم يتساءلون عن الأنشطة الرياضية فى النوادى، (وقد تم تعليقها أيضاً)، والبحث عن أماكن بديلة لأطفال النساء العاملات، (العملية التعليمية تستوعب حوالى ربع سكان مصر)، والبعض الآخر يتعامل مع تعليق الدراسة وكأنه «إجازة» لنقل تجمعات المدارس إلى المولات والكافيهات ودور السينما والمسرح (!!).. وكأن الشعب رفع شعار: «لا أرى لا أسمع.. بل أتنزه»!.

ولا أدرى لماذا يستسهل البعض إما سياسة التهويل أو التهوين.. رغم أن الكارثة العالمية مرئية وواضحة، الكيانات الاقتصادية لكبريات الدول تقع والبورصات تنهار وحركة الطيران شبه مشلولة.. العالم الذى كان يفاخر بثورة الاتصالات وبأنه أصبح «قرية صغيرة» أغلق منافذ الدخول والخروج فى وجه الدول الجارة، و«فوبيا العدوى» تنتقل من عاصمة إلى أخرى.. فهل «كورونا» يستحق كل هذا الفزع؟.. بالقطع نعم، فحتى الآن لا يوجد مصل واق رغم النسبة المرتفعة لحالات النجاة والشفاء من الفيروس.

وبحسب بيان الدكتور «أحمد بن سالم المنظرى»، المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية، بشأن مرض كوفيد-19 فى إقليم شرق المتوسط، (الصادر فى 12 مارس) فقد تم الإبلاغ عن 9960 حالة إصابة فى 16 بلداً بالإقليم، منها 366 حالة وفاة مُبلَّغ عنها فى خمسة بلدان.. ووقعت معظم الوفيات لمرضى يبلغون من العمر 60 سنة فأكثر، إذ كانوا يعانون بالفعل من حالات مرضية تفاقمت عندما أُصيبوا بالفيروس.

ويقول نفس البيان إن بعض البلدان والمجتمعات المحلية قد تلجأ إلى تعليق التجمعات الجماهيرية، وفرض قيود قصيرة الأجل على السفر، وتطبيق تدابير الحجر الصحى قصيرة الأجل. ولكن ينبغى اتخاذ هذه الخطوات بعد تقييم موضوعى للمخاطر المحتملة المحدقة بالصحة العامة والتأثير الاجتماعى الاقتصادى المحتمل لهذه التدابير.. وهذا ما حدث ببساطة فى مصر «إجراء احترازى».

وهنا تتجسد مسئولية المواطن الذى تلح عليه وسائل الإعلام والسوشيال ميديا بالإجراءات الوقائية، حكومة الإمارات أعلنت عن تفعيل نظام «العمل عن بُعد» لبعض الفئات من الموظفين.. لكننا للأسف لا نمتلك هذه التقنية ولا نمتلك العقلية التى توجهنا إلى أن تعليق الدراسة معناه البقاء فى المنزل!.

لا أدرى لماذا يجازف البعض بحياته لمجرد أن يثبت أنه «أقوى» رغم أن هذا الفيروس الغامض الضعيف ليس ماراثوناً لاقتحام حقل الفيروسات.

لقد أعلنت الولايات المتحدة «حالة الطوارئ الوطنية»، وأعلن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أنه يتنازل عن بعض اللوائح للسماح للمستشفيات بأن «تفعل ما تريد»، وسادت الفوضى والاضطراب فى جميع مناحى الحياة تقريباً فى أمريكا من ديزنى لاند إلى المحكمة العليا ومن وول ستريت إلى البيسبول، بعدما تسبب تفشى فيروس كورونا فى إغلاق مناطق واسعة النطاق وحدوث تعطيلات اقتصادية، وأُغلقت المتاحف والمدارس والمسارح وعُلقت دوريات رياضية محترفة.. لأن العالم المتحضر يدرك معنى كلمة «وباء جائح».. بينما نحن نربط تعليق الدراسة بشعار «أين تذهب هذا المساء»؟.

وعندما يوجه الرئيس «السيسى» بتخصيص 100 مليار جنيه لتمويل الخطة الشاملة وما تتضمنه من إجراءات احترازية، فيجب أن تثمَّن هذه الإجراءات وأن تساهم فيها على الأقل بالبقاء فى المنزل قدر الإمكان واتباع إجراءات الوقاية بدقة.. العالم ينتفض: «خليك إيجابى».. فلا تعانق كورنا ولا تقبله.
نقلا عن الوطن