كتبت -أمينة النقاش 

 ينطبق المثل الشعبى  القائل "دى مش دبانة..دى قلوب مليانة" على الذرائع التى تساق لتبرير تأجيل الموعد الدورى لعقد القمة العربية إلى يونيو القادم، بدلًا من نهاية مارس الحالى. والمثل كما هو واضح،  يسخر من التحايل  عن السبب فى نشوب  الخلاف أو التعارك  والصراع، بادعاء أسباب هشة  غير حقيقية له. وتحميل انتشار وباء فيروس كورونا السبب فى تأجيل اجتماع القمة العربية، هو من ذلك النوع الذى يتهرب من مواجهة حقيقية المشاكل، ومن المسئولية عن وضع خطة مدروسة بإحكام للسعى لحلها.

تعيش الشعوب العربية  منذ عقود، على أمل لا شفاء منه، أن يجلس قادتهم سويًا كل عام فيقتربوا من بعضهم البعض، عسى أن يسهم التقارب فى لحلحة المشاكل البينية بين الدول العربية، كى لا تظل عصية على الحل. أمل لا شفاء منه ينتظره العرب كل عام، أن يؤدى التقارب بين  قادتهم من الملوك والرؤساء والأمراء، إلى بلورة رؤية موحدة لحماية الحقوق العربية، وتهيئة القدرة  الذاتية على الدفاع عنها، بدلاً من ترك القضايا العربية رهنًا لصراعات القوى الغربية مع القوى الإقليمية كما هو حادث الآن، تتأرجح بين الطامعين  فى نزح موارد المنطقة  وثرواتها، وبين الساعين لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، لاستعادة ما يدعون  أنه إرث أجدادهم الأفل.
 
كشفت الجزائر التى ترأس الدورة الجديدة للقمة العربية، أن التأجيل يستهدف السعى للم الشمل العربى والسعى لإعادة سوريا إلى مقعدها الشاغر منذ نحو  ثمانى سنوات، وهى إحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية.  
 
فى القمة العربية السابقة فى تونس العام الماضى، قيل لنا بأن عودة سوريا إلى الجامعة موضوع غير مدرج على جدول أعمالها، وأن الوقت غير مناسب لمناقشة الموضوع، وأن هناك شروطًا لعودة قلب العروبة النابض كما كان يلقبها  الزعيم عبد الناصر إلى الجامعة العربية، بينها التوصل لتوافق كامل بشأن ذلك بين أعضاء الجامعة، وحسم موقف النظام السورى من قضية التسوية السياسية والعلاقات مع إيران. أما الشرط الذى بدا أنه  يجتمع مع الشروط السابقة فى الشبه بالمثل « دى مش دبانة.. دى قلوب مليانة «فهو أن أحدًا من الدول  الأعضاء المؤيدة لإعادة مقعد سوريا لم يتقدم بطلب بذلك!
 
طيب ماشى، ها هى الجزائر التى يفترض أن تعقد القمة على أرضها لا تطالب فقط بعودة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة، بل تلوح بعدم عقدها إذا لم يتحقق ذلك الهدف. وانطوت  زيارة الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون إلى السعودية قبل نحو اسبوعين فى أولى رحلاته الخارجية على أهمية خاصة  فى هذا التوقيت، لاحتمال سعيها نحو توافق عربى فى قمة الجزائر بشأن إلغاء قرار تعليق عضوية  سوريا  فى الجامعة وغيرها من القضايا العربية.
 
كثيرة هى الأسئلة التى تسهل الاجابة عنها لكنها تبقى مع ذلك  معلقة فى سماء السياسة العربية. ألا يمثل التهديد التركى لاحتلال الأراضى السورية، والسعى للتفاوض على اقتسام بترولها مع قوى دولية أخرى تهديدًا للأمن القومى العربى؟ ألم يحتل العراق بغزو أمريكى وتحالف غربى وظل بحكومته التى عينها الاحتلال عضوًا فى الجامعة ولم تعلق عضويته بها؟ ألم تعدل الجامعة طرق التصويت على قراراتها، لكى تصدر بالأعلبية وليس بالإجماع فلماذا لا تتقدم الدبلوماسية المصرية باقتراح بالتصويت على العودة السورية للجامعة، وهى التى التزمت بموقف ثابت من الأزمة السورية يقوم على التمسك بوحدة الأراضى السورية وأن يؤول للشعب السورى وحده تحديد مستقبل بلاده، لا سيما وأغلبية الدول الأعضاء بالجامعة مساندة لذلك المطلب.؟ أليست الإدارة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبى هم من يعرقلون بأداتهم التركية التوصل لتسوية سلمية للقضية السورية، ويدعمون منظمات إرهابية لاستمرار الحرب الأهلية، ويضغطون على الدول النفطية لمنع مساهمتها فى إعادة إعمار سوريا، والحيلولة دون عودة اللاجئين السورين إلى ديارهم؟
 
سيظل الأمل الذى لا شفاء منه أن تنعقد قمة الجزائر وسوريا تتقلد مقعدها فى الجامعة، والقادة العرب ينبذون خلافاتهم للتفرغ لحماية الأمن القومى العربى المستباح.