محمد حسين يونس
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و انزياح الكابوس الفاشستي / النازى كان بامكان اوروبا بواسطة مشروع مارشال الامريكي ان يسترد اقتصادها عافيته و تعيد توظيف امكانياتها لتطوير مجتمعات قائمة علي تطبيق نصوص حقوق الانسان ( التي تم اقرارها بواسطة هيئة الامم المتحدة ) و أساليب الديموقراطية و الليبرالية في الحكم

المنطقة العربية كانت مستعمرات اما لانجلترا او لفرنسا وكانت تكافح في سبيل نيل حريتها واستقلالها .

في مصركان يتنازع السيطرة علي الحكم مثلث الانجليز و السرايا و الوفد الذى طور تيارا تقدميا ليبراليا عصريا يرتبط بالشارع .

وبتأييد من الانجليز حينا و الملك احيانا نمت تيارات أصولية تتخذ من الفاشستية دليلا ...علي يمينها الاخوان المسلمين بفرقهم الارهابية وعلي يسارها الحزب الوطني (فتحي رضوان ) و مصر الفتاة بمليشياته ذات القمصان الخضر .

الوفد في سبيل التخلص من نفوذ الملك و الانجليز بدل من روحه الثورية الراديكالية ومن خطه الليبرالي، واهدر ثقة الجماهير بمناورات فؤاد سراج الدين المتتالية التي انتهت بحريق القاهرة في يناير 52 و قيام العسكر بانقلاب يوليو

و لم يلجأ الوفد لشعبيته .. فاستسلم لسخف التطهير ثم المحاكمة التي إنتهت بسحق فرصة انشاء دولة ديموقراطية عصرية تحت بيادة العسكر.
الدعم الجماهيرى الجارف للمنقلبين لم يجعلهم ينحازون لها.. لقد تغلبت انانيتهم علي وطنيتهم وساد فكر فاشستي ديكتاتورى ( بتفوق مزعوم ) ازاح بعيدا القلة التي تمسكت بالديموقراطية والدستور

واستولي الضباط تدريجيا علي الجهاز الحكومي بدأ بوزارة الداخلية حتي وزارة المعارف (التعليم ) ثم على مفاتيح الاقتصاد بالتأميم و التمصير و قوانين راسمالية الدولة ( الاشتراكية العربية)

وكان الجهابذة من رجال الدستوريحرضونهم علي نبذ الديموقراطية ( في إطار أن الشرعية الثورية تجب الشرعية الدستورية )

وهكذا سقطت مصر في يد مجموعة من محدودى العلم والثقافة يرأسها ديكتاتور يرى انه هبة الله لشعبه ..وأنه يفوق الملايين وطنية و ذكاء و حكمة ...وتضيع فرصة ان تلحق مصر بركب التطور الذى سارت عليه اوروبا بعد انتهاء الحرب العالية الثانية.

لقد كان من الممكن أن تخرج مصر من مخاضات الاستعمار و التبعية كما فعل هتلر و موسيليني ..لو لم يفتن عبد الناصر بالقومية العربية و ما أدت إليه من انكسارات في سوريا و إستنزاف في اليمن .. و معارك علي أعتاب فلسطين .

بعد هزيمة 67 وانكشاف الغطاء الدعائي عن الناصرية و سقوط النظام و قيادته.. تقدم اليسار داعما للمعركة الوطنية ضد الاستعمار الصهيوني .

كان نتيجة هذا بيان 30 مارس و تزايد روح المقاومة و الدعوة لاعادة ترتيب الاوراق ببناء جديد للجيش و لتحسين العلاقة بين الشعب و قيادته.

قوى الثورة المضادة التي تصورت ان زمن الانقضاض علي الناصرية قد حان تجمعت تصلي لله شكرا علي هزيمة جيشهم وتدفع بكوادرها علي استحياء للتجمعات الطلابية التي كانت قد بدأت تعي ان هذا الوطن ليس ملكا لهم بل لنا وان مشاكله تعنينا لاننا نحن الذين سندفع الثمن.

في 28 سبتمبر 1970 مات عبد الناصر وجاء خليفة له ((السادات ـ لمن يعرفه ـ صبور كالجمل قادر علي تخزين مشاعره و حبسها فقد ظل طوال فترة حكم عبد الناصر في الظل و لم يفقد صبره حتي عندما يجد نفسه في اوضاع حرجة دفعه اليها رئيسه .. ثم فوق ذلك هو فلاح يخفي عواطفه و نواياه و تحركاته وهو متآمر حتي من قبل ارتباطه مع الضباط الاحرار و ظلت طبيعته التامرية ملازمة له حتي لقي مصرعه علي يد اخرين اكثر دهاءً)) ص 286من كتاب الفرص الضائعة .

وهكذا وجدت الثورة المضادة رجلها علي الكرسي فاطاحت برجال عبد الناصر واطلقت الاخوان و الجماعات الدينية علي براعم اليسار الغضة فاقتلعتها وضاعت فرصة استغلال دفعة المقاومة بعد الهزيمة و وقعت مصر اسيرة لتخلف رب العائلة ومناوراته السقيمة .

اكتوبر 73 فوجىء الجنود الاسرائيليون بجنود مصر تعبر القناة، يدمرون الدشم وخط بارليف الحصين ويحتلون 12 كيلومتر شرق القناة

الاسرائيليون دفعوا بقوات النسق الثاني المدرعة و لكنها دمٌرت وأٌسر قائد اللواء عساف ياجورى، الجيش حفر خنادقه ووضع تحصيناته و لم يطور الهجوم ..

السادات يقف في مجلس الشعب يوزع النياشين و الانواط ويمزح مع القادة المرتدين الزى النازى في نفس الوقت تعبر سبع دبابات اسرائيلية القناة والقادة يحتفلون .. في اليوم التالي يعبر لواء مظلي و 30 دبابة تدمر حائط الصورايخ المضادة للطائرات ليلة 17 و فجر 18 اكتوبر يتم نقل 3 لواءات من فرقة آدان للغرب علي كبارى اسرائيلية يوم 19 توجد لاسرائيل 3 فرق مدرعة علي الضفة الغربية يوم 23 تحتل الاديبية وتقطع خطوط مواصلات الجيش الثالث نهائيا، انها الفرص الضائعة التي تسبب فيها ضعف قرارات من منحوا نجمة سيناء.

اكتوبر 81 السادات يستعرض قواته بعد ان اعطي الالكترون لابنه في يده و قال له انطلق اغلب مثقفي مصر ورموزها الدينيين في السجن وهو يقف بملابس المرشال النازية.. يغتاله افراد من القوات المسلحة تنتمي الي الجماعات التي استخدمها لضرب اليسار

نائب الرئيس يتولي مكانه يفرج عن المعتقلين و يستقبلهم في القصر الجمهورى ويعد بان تتوقف الممارسات القمعية .. لقد ان الاوان لبطل من حرب اكتوبر ان يقود مصر نحو المجتمع الحديث .

اجهزة الامن تقنعه ان حياته في خطر .. يفرض الطوارىء لثلاثين سنة تزداد قوة الامن تدريجيا و يهمش دور الجيش خوفا من ان ينقلب
وتتحول الحكومة الي مجموعة من اللصوص و البلطجية و تتوقف اى محاولات للحاق بركب التقدم خلال ثلاثين سنة بدون حروب لتضيع فرصة قد لا تتكرر.

الضباط من المفترض أن يكون تدريبهم و علمهم موجها تجاة فنون الحرب و القتال .. و لكن ضباطنا تخلصوا من مهنتهم .. و إستعاروا مهن الاخرين علي أساس أنهم قادرون علي إستيعابها بروح عملية ثورية إنضباطية

وفي الحق أنهم لم يوفقوا سواء في مهنتهم أو مهن الاخرين .. فالتخطيط و البرمجة ورسم السياسات و تقدير الموقف و المناورة بالامكانيات لإعطاء أعلي فائدة علم و ليس فهلوة أو أوامر همايونية ...

والاقتصاد علم .. يتم دراسته لسنوات و يتطور و يتغير و يتداخل في جميع شئون الحياة .. فإذا ما جاء ضابط مهما إرتفعت رتبته و حاول أن يكون إقتصاديا فسيحدث كوارث تشبة التي حدثت في الزمن الشمولي أو الانفتاحي او الكمبرادورى أو بإتباع توصيات صندوق الدين ...

و السياسة علم و خبرة و تجربة.. وموهبة لم تتوفر لحكامنا الضباط الذين لا يعرفون إلا الاوامر و الطاعة وقد تسقط منهم معان مثل الديموقراطية و حقوق الانسان و التنمية المستديمة والتكامل البيئي .

و الهندسة علم و تخطيط المدن علم ..وشق الطرق و إقامة الكبارى علم .. وإدارة قناة السويس علم .. فما بال ضباطنا يزاولنها بدون علم .

القيادة دائما كانت سببا في ضياع جهد الشعب و اغتيال آماله وتعطيل تحوله الي مجتمع عصرى ، ضاعت الفرص واحدة خلف أخرى بسبب أن الجالس علي الكرسي لم يتخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب .

جيلي كان اول من طبق عليه مكاتب التنسيق للالتحاق بالجامعة و كانت المجاميع الكبيرة تذهب للطب و الصيدلة و الهندسة اما المجاميع المنخفضة فعلي الكليات العسكرية و هكذا حكم اخر صفوف الثانوية البلد لخمس وستين سنة وانزوى الاوائل ..

الحكام تصرفوا علي اساس انهم الافضل و الاقوى والاكثر فهما والباقي عليهم الجرى خلفهم للحصول علي وظيفة تسد الرمق .. انها الفرصة الضائعة العظمي الا يكون زويل أو مجدى يعقوب رئيسا لهذا البلد.