سليمان شفيق
ثارت اقلام صحفية وسخرت "بوستات " فيسبوكية ، عن شاكوش واغاني المهرجانات ، ورمضان والابراشي في ماسبيرو، دون ان يتطرقوا الي ربط ذلك بفتاوي ممارسة الجنس مع الاطفال اوالموتي وصولا للبهائم ، جنبا الي حنب الي  الهتافات العنصرية ضد لاعب وما تلاها من الاشارات الجنسية من اللاعب امام الملايين من المشاهدين ، واغلاق المجال السياسي وصولاالي انتشار الرشوة كمنهج حياة ، والفتاوي والعنف ضد المواطنين المصريين الاقباط.

 كل ذلك لم يخلق من فراغ بل تبلور طوال اكثر من مائة عام من محاولات تشكل الدولة المدنية الحديثة ، والتحديات التي واجهتها

منذ أكثر من ثلاثين عامًا أتابع قضايا الوحدة الوطنية، لأكتشف أن ما يسمى بـ «الفتنة الطائفية» ما هو إلا عرض لأزمة الحداثة فى مصر، ولا أحد ينظر إلى تلك القضية من منظور أزمة الدولة المدنية الحديثة، ولم يلحظ أحد أن أول تجليات الأزمة كان 1910 «المؤتمر القبطى»، ومنذ 1910 حتى أحداث كنيسة العمرانية 2010 مضى قرن من الزمان، وتبوأ الحكمَ فى مصر أربعةُ ملوك «عباس حلمى، حسين كامل، فؤاد، فاروق»، وثلاثةُ رؤساء «عبدالناصر، السادات، مبارك».
 
كما شهد هذا القرن 65 حكومة، 42 فى العصر الليبرالى، منذ حكومة بطرس غالى باشا 1910 حتى حكومة على ماهر باشا 1952، بتكليف من الملك فاروق، و7 حكومات فى عهد ناصر، و7 فى عهد السادات، و9 حكومات فى عهد مبارك، كل ذلك ومشاكل الاحتراب الدينى قائمة بشكل أو بآخر.
 
فى العصر المسمى بالليبرالى، وفى فبراير 1934، فى حكومة عبدالفتاح يحيى باشا، أصدر العزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية، الشروط العشرة لبناء الكنائس، التى سببت 76% من الأحداث الطائفية، ارتبط ذلك بإسقاط دستور 1923، وإعلان دستور صدقى 1930، وظهور جماعة الإخوان وتحالفها مع صدقى، بل وفى ظل زخم زعامة النحاس للأمة تم «تجريس» الحزب فى الأربعينيات من القرن الماضى على أنه «حزب نصرانى»، أسس لهذة الحملة أيضًا الإخوان، وللأسف شارك فيها كتاب كبار مثل العقاد.
 
والأخطر أنه فى ظل حكومة الوفد 1950، لأول مرة بعد ثورة 1919، تم حرق كنيستين، إحداهما فى السويس والأخرى بالزقازيق، وسقط قتيلان من الأقباط، واتهمت حكومة الوفد أعضاء من جماعة الإخوان، وثار الأقباط، وخرجت مظاهرة من البطرخانة بكلوت بك إلى مجلس الوزراء بقصر العينى، تطالب بانسحاب الوزراء الأقباط من الحكومة «روى هذه القصة الكاتب الراحل الكريم سعد فخرى».
 
ومنذ العصر الليبرالى إلى العصر الناصرى، لم تشهد المرحلة أى اعتداءات على أقباط أو على الكنائس، ولكن تمت إضافة خانة الديانة للبطاقة الشخصية، الأمر الذى انسحب إلى العديد من الوثائق الأخرى، كما تم عدم تمكين الأقباط من الوظائف العليا فى بعض مؤسسات الدولة، ناهيك عن رغبة عبدالناصر فى تحويل جامعة الأزهر من جامعة دينية إلى جامعة مدنية لتحديثها، إلا أن اقتصار القبول فيها على المواطنين المسلمين، رغم أنها تمول من أموال المصريين، مسلمين وأقباطًا، قد خلق فيما بعد أزمة غير متوقعة حينذاك.
 
هكذا فإن الدولة فى العصر الليبرالى كانت «مدنية ولم تكن حديثة»، وفى العصر الناصرى كانت «حديثة ولم تكن مدنية»، وإن كانت لم تحدث أى اضطرابات طائفية، لأن عبدالناصر كان لديه مشروع قومى استطاع من خلاله الحفاظ على عوامل الاندماج القومى للأمة المصرية، وأضاف إليها المشروع الناصرى آفاقًا اجتماعية، وخططًا تنموية، وسيطر على الثقافة والإعلام، لكن الإخوان كانوا بالسجون حتى 1972، وهكذا جاء مشروع السادات - بالتحالف مع الإخوان - لضرب الناصريين والماركسيين، ولكنه دون أن يدرى ضرب أسس الدولة الحديثة، وما تبقى من مدنية فى مصر.
 
وانتقلت ظاهرة الإخوان والتدين من خارج النظام السياسى إلى داخله، وتسللت إلى قمته، حيث تحالف السادات مع الجماعات المتأسلمة، وغير من الدستور، مما أعطى مرجعية دستورية للإسلام السياسى، وعبر الانفتاح الاقتصادى ضرب السادات الأساس الاجتماعى للمشروع الناصرى، وبدأت البطالة تطل برأسها، وبدأ تهميش الصعيد؛ مما مهد الطريق اجتماعيًا للإرهاب.
 
ولأن الإرهاب يبدأ فكرًا، فقد أصدر الشيخ عبدالله الخطيب فتواه الشهيرة فى العدد 57 من مجلة الدعوة، لسان حال الإخوان حينذاك، بعدم جواز بناء الكنائس، الأمر الذى تلقفته الجماعات الإرهابية التى ولدت من رحم الإخوان، وبإخصاب من هذه الفتوى تم الاعتداء «شرعًا» على الكنائس «لاحظ بعد تحالف الإخوان مع صدقى وزيور قننت الشروط العشرة لبناء الكنائس، وبعد التحالف مع السادات شرعنت فتوى الإخوان الاعتداء على الكنائس».
 
فى عصر مبارك، خاصة السنوات العشر الأخيرة، لم تعد الدولة مدنية ولا حديثة، بل صارت دولة مملوكية «ظهر مشروع التوريث»، وعكس ما يتصور الجميع، كانت هذه المرحلة هى العصر الذهبى للإخوان، حيث تم تمكينهم اقتصاديًا «السيطرة على 55% من تجارة العملة»، وبلغت عمليات المضاربة وغسيل الأموال أقصى مدى «انظر ملفات قضايا الإخوان فى تلك المرحلة».
 
وعلى الصعيد السياسى، وافق الإخوان على التوريث مقابل التمكين فى مجلس الشعب «مثال صفقة الـ88 نائبًا»، إضافة إلى التمكين الدولى، وتأسيس التحالف الإخوانى الأمريكى، وبذلك تم تصدير الإرهاب للخارج وتخويف الأمريكان من فزاعة الإخوان، مقابل ذلك تم تمكين الإخوان وتأهيلهم للحكم.
 
فى تلك المرحلة من ذلك العصر تم القضاء على عوامل الاندماج القومى، كما ذهب الباحث نبيل عبدالفتاح فى كتابه «سياسات الأديان»، الأمر الذى أدى إلى انتشار ما أسماه الباحث سمير مرقص «فيروس التفكك» وبشكل قاعدى، وإن كان الإرهاب والاعتداء على الأقباط والكنائس يتم من خلال جماعات إرهابية؛ فإنه الآن يتم من خلال جماهير متعصبة.
 
ولا يمكن فى هذا السياق إهمال ظهور الجماعات السلفية، التى تحالفت بالتواطؤ مع نظام مبارك فى مواجهة الإخوان، وشرّعت بعدم جواز الخروج على الحاكم.. تلك الجماعات لم يكن لها من «عدو» تُربى عليه أعضاءها سوى الآخر الدينى، وفى مقدمتهم المسيحيون.

وفي ما بعد الهجوم علي ثورة 25 ينايروالقاء القبض علي زعماء تلك الثورة ، ورسوخ حالة من الاحباط  لدي قطاع من الاجيال الجديدة ومن منابع السخط وغياب الأمل والإحباط ظهرت موجات من العنف اللفظي والفكري والالحاد ليس الديني بل والوطني والجسدي والعقلي،وراينا التناقض في ما بين تأخي الححاب مع البنطلونات الممزقة ، واستخدام المنتقبات لاحدث الاجهزة الحديثة من سيارات او الهواتف المحمولة ،هذا التشوة في تيارات مختلفة من مجتمعنا ، يجسد إنّ المحبطين وجدوا في أيديولوجيا التوحّش ملاذاً نفسياً، وفقاً لم ذهب الية المفكر نبيل عبد الفتاح .

هكذا وبعد ان حدثت انهيار في عوامل الاندماج القومي ، انتقل فيروس التفكك الي كراهية الذات والجسد والاغتراب عن الواقع وصولا للعنصرية واستخدام لغة الجسد  والحركات الجنسية كبديل للحوار المغلق.

المشهد خطير ومرتبك ويحتاج للانتقال بالمجتمع المصري من حالة الاحتقان والتخلف الشديد على مختلف الأصعدة إلى أفاق أكثر تقدما من خلال رؤى سياسية وعلمية وتعليمية جديدة.

لذلك فإن تكوين الإنسان المصرى يحتاج إلى إعادة الاعتبار للدولة المدنية الحديثة، التى تفرض المواطنة بتطبيق القانون على أرضية العدالة والمساواة.