د. مينا ملاك عازر
بعد أن توقف الكل عن انتظار الإعلان عن صفقة القرن، وقلنا أنها ماتت، ولم ولن تعلن. فجأة، قرر ترامب أنه سيعلن عنها، واستدعى رئيس وزراء إسرائيل نيتنياهو وأعلنوها، وانشغل الكل بردود الأفعال والمزايدات بين مدعي العقل ومطالب بالتفكير والروي، ومدعي الوطنية، ومطالب بالجهاد، ومدعي المرونة وقبول الآخر، وداعي للقبول، وأحد وكالعادة لم يقرأ ولم يحاول البحث في وضع ما أطلقوا صفقة القرن، ووضع المواجهة لهم الصفقة لنرى إمكانيات الدراسة والقبول والرفض ولماذا؟
 
ومن هنا أود أن أنوه، أن الطرفين المشاركين في إعلان صفقة القرن، أحدهما مقبل على انتخابات في نهاية العام لإعادة انتخابه رئيساً لأمريكا، هذا إن لم يعزل، وهذا ليس الأقرب للواقع، فمجلس الشيوخ معه ويدعمه، ولكي يضمن المزيد من التأييد كان عليه أن يضمن أصوات اليهود -اللوبي اليهودي- في أمريكا فنقل السفارة للقدس، وأعلنها من بين بنود الصفقة، أن القدس عاصمة واحدة موحدة لإسرائيل، محاولاً كسب ود جزء من جمهور الديمقراطيين المعارضين له أو كسر شوكتهم، أو على الأقل شق صفهم وكسب نقطة على حساب معارضيه والمنافسين له في الانتخابات، الطرف الثاني سيدخل هذا العام وللمرة الرابعة في غضون عام تقريباً، انتخابات يحاول أن يضمن فيها لنفسه الأغلبية في الكنيست الذي يكاد أن يكون قد فقد الأغلبية فيه في الانتخابات الثلاثة السابقة أمام حزب أزرق وأبيض، وبالرغم من خفوت وميض حزب العمال المعارض له إلا أنه لم يستطع أن يؤمن لنفسه مقعد الحكومة، كما أنه وببساطة شديدة جداً يعاني من تهم تلاحقه بالفساد ويطلب من مجلس الكنيست الحالي أو القادم أيهما يلحق، وينجده بالحصانة من الملاحقة والمساءلة بل والمحاكمة وربما السجن إن ثبتت التهم عليه وزوجته.
 
أما المتلقين للعرض، الصفقة إما بلاد تحتاج للحماية من إيران كبلدان الخليج، ويزيد عليها بلدان مهددة بتجميد أموالها بمقتضى قانون جسا الأمريكي، وبلدان مفتتة بثورات أو شبه ثورات، أو تحميها جيوش أمريكية، وأخرى روسية وإيرانية، وبلدان مفتتة تحاول تركيا مد نفوذها لها، أما إذا ما خرجنا للمحيط الإسلامي وليس العربي، فنجد بلداً تعاني من أحوال مالية متردية وتقع في محيط الغطاء والحماية الأمريكية من دول مجاورة. 
 
فيما سبق، عرضت لحضراتكم أوضاع أطراف صفقة القرن العارضين والمعروض عليهم، وفي كلمة واحدة، أعرض لكم حال الفلسطينيين بلا دولة ومنقسمين ومليشيات، وكل سبل التفتت متوافرة بل موجودة وحاضرة، وسلطة فلسطينية تعاني من الوهن ومنقطعة عنها المعونات، ومعظم الدول العربية المحيطة منكفئة على أزمات داخلها، أما مصر فيكفيها كارثة وورقة ضغط سد النهضة التي يشارك في التفاوض حولها ترامب، واحد من مقدمي صفقة القرن، لتكون في موقف سيئ لا أظنه -بإذن الله- يقلل من حجم ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية، تلك القضية التي طالما قدمت لها من جهد دبلوماسي ودماء أبناءها وغيره.
 
من الآخر، الوضع العام للجميع سيئ، وإن كانت صفقة فهي صفقة انتخابية لمقدميها، وصفقة حماية للمقدمة لهم، فهل تُقبل؟ هي مسألة تتدخل فيها مسألة دراسة تفاصيل الصفقة، لكن ما قدمته لكم أعزائي القراء الظروف التي تشارك في إخراج صفقة القرن.
 
المختصر المفيد السياسة تجارة والتجارة شطارة.