الأب رفيق جريش يكتب: الحروب بالوكالة
اليوم أصبحت سمة الحروب أنها حروب بالوكالة، أى بدلاً من أن الدولة (الفلانية) تحارب الدولة (العلانية) توكل دولة أخرى أو ميليشيات أو مجموعات إرهابية للقيام بهذه المهمة، وهذا شىء معروف فى التاريخ حتى إن بعض الدول كانت فى الماضى تؤجر محاربين يسمونهم- مرتزقة- لكى يقوموا بمهام فى أغلبها قذرة بمقابل مادى سخى بدلاً من الجيوش النظامية، وحتى لا تتلوث سمعة الدولة وتتبرأ مما تفعله أمام دول العالم الأخرى، والذى يدفع الثمن هم البسطاء والفقراء من الشعوب المعتدى عليها التى تحاول أن تهرب من تلك النيران إلى دول الجوار الأخرى.

مع هؤلاء اللاجئين تبدأ مشاكل أخرى فيتركون فى العراء فى البرد أو الحر ويشح الأكل والماء وتتفشى الأمراض، وفى الغالب هذه المشاكل تفوق قدرة الجمعيات الإنسانية والصليب الأحمر وغيرها وتزداد الأزمات الإنسانية تفاقماً. وهذا ما شهدناه من مآسٍ فى العراق ولسبوس وجنوب إيطاليا والغرقى فى البحر المتوسط الذى أصبح يُنعت ببحر الموت.

يكتب الصديق العزيز دكتور عمرو الشوبكى شارحاً فى مقال الثلاثاء الماضى «ما نشهده اليوم فى سوريا من الهجوم الكبير الذى شنته القوات التركية على مواقع النظام السورى فى الشمال السورى وفى محيط مدينة إدلب عقب قتل الجيش السورى 33 جندياً وضابطاً تركياً، أعاد للواجهة مشهد الحرب بالوكالة التى تجرى فى سوريا. فلولا الدعم التركى لفصائل المعارضة المسلحة فى سوريا لما بقيت إدلب تحت سيطرتها مع مناطق سورية أخرى، ولولا الدعم الروسى- الإيرانى للنظام السورى لسقط منذ سنوات. معركة إدلب كشفت بشكل مباشر حقيقة المعادلات المسيطرة على الوضع فى سوريا، حيث اتضح للجميع أن قوة الفصائل المسلحة أساساً من قوة تركيا، كما أن قوة النظام هى أساساً من قوة روسيا، وأن الاشتباكات التى جرت بين الجيشين السورى والتركى أوصلت الجميع أمام حقيقة توازن القوى فى سوريا، أى بين روسيا وتركيا».

وها هو رئيس تركيا الحالم بعودة الإمبراطورية العثمانية حدد ونفذ وفتح حدودها للاجئين نحو أوروبا، فقد فتح جبهات متعددة. ففى الجنوب ضد النظام السورى المسنود من روسيا بدعوى حماية تركيا من الأكراد، ولكن فى الحقيقة تواجده فى إدلب يعطيه موقع قدم فى إعادة بناء سوريا وجنى الثمار المالية ومباحثات جنيف حول الدستور السورى القادم ظناً أنه يؤمِّن بهذا حدود بلاده. وها هى المستشارة الألمانية إﻧﭽﻴﻼ ميركل تطالب تركيا باحترام الاتفاقية الموقعة عام 2016. أما فى الشمال الغربى مع جيرانه الأوروبيين فيرسل لها ملايين من المهجرين قائلاً «سُتترك أبواب أوروبا مفتوحة والآن ستأخذون حصتكم من الأعباء، وفى الجنوب الغربى وعلى بعد آلاف من الكيلومترات فى ليبيا يرسل خبراء حرب» ويسلح الميليشيات الإرهابية وينقلهم من سوريا لتهديد الشعبين الليبى والمصرى.

إن الحرب بالوكالة «غير أخلاقية بامتياز» لأن الذى يدفع الثمن هم البسطاء والفقراء فضلاً عن الدول التى يدُمر اقتصادها وتشح مواردها؛ فلا مكان للتنمية فتزيد شعوبها فقراً وجهلاً ومرضاً على مثال الحروب التى تتم فى وسط إفريقيا وغيرها من دول العالم، ولا يستفيد منها إلا الدول الغنية وتجار السلاح والإرهاب.
نقلا عن المصرى اليوم