ماجدة الجندى
ضاقت اللغة عن استيعاب ما يمكن أن تعبر به، عن نبل وقيمة وإنسانية وتواضع وكل خصال الدكتور مجدى يعقوب، خاصة وقد استبدت القسوة بالعالم الذى نعيش فيه، فصار يفقد كل يوم مساحة من إنسانيته، وكأن ساكنيه قد ألفوا فحش الحروب، والفقر، فلا عاد غرق «الرضع»، فراراً من الموت بالرصاص، الى الموت بالغرق، يشيل الدنيا ولا يقعدها، ولا عادت الأجساد المحترقة بالقنابل، تشعل المظاهرات.. فى هذه اللحظة التى «تتمحور» الأنانية، كتمحور أشد الفيروسات فتكاً، يتجلى سطوع فيض نورانى مختلف من مصر، فى صورة عالم وإنسان هو مجدى يعقوب.. كل ما هو «حلو» من قيم ومعانٍ تكفى العالم كله وجده الناس فى هذا العالم والإنسان، ومع ذلك أحسوا أنهم لا يوفونه قدراً من حقه، فلم يجدوا غير أن يضعوه فى مقام «القديس»، وهو فعلاً كذلك.. «القديس»، صفة اختارها الناس ليصفوا مجدى يعقوب، بعد أن ضاقت أطر اللغة عما يصفه، و«القديس» أيضاً توصيف لدور اختاره مجدى يعقوب، دور مارسه طواعية دونما ذكر لعنوان.. الصفة والدور اختزلتا «إنساناً»، تمكن من ترويض خصال بشريته، ونأى بجوهره عما عهده الإنسان من إيثار للنفس، وتأجج الرغبات الفردية، وشهوة الامتلاك.. ذهب مجدى يعقوب بروحه إلى حيث مذاقات السلام النفسى والراحة التى لا يدركها إلا ندرة تعى أن أكبر وأصعب معارك الإنسان هى معركته مع نفسه.. أنا يشغلنى السؤال عن المعركة التى خاصها «يعقوب» مع نفسه، فروضها.. هذه الخطى التى انتهجها مجدى يعقوب فى درب «صقل الروح»، يشغلنى السؤال عن «روح مجدى يعقوب».. كيف شفت هذه الروح ورفت وصارت بتلك الرهافة الرقراقة، المحبة للإنسان؟ أقسم إنى «بمعراجه الروحى» الذى وصل معه إلى درجة أن يحس جنته، الآن وهنا، لما يساهم فى تخفيف وجع البشر أياً كانوا...كيف تمكن من الارتقاء بإنسانيته إلى هذا المدى؟ كيف روض تلك النفس البشرية المعقدة التى تحب أول ما تحب ذاتها، فإن لانت وتنازلت فلبعض منها، تارة يكون هذا البعض هو من جاء بها إلى الدنيا، أو من جاءت به هى إلى الدنيا..؟ من أين بدأ وكيف درب وأمسك هذه النفس عن «الأذى»، ولذات الاستحواذ، والرغبة فى الهيمنة، والزهو على الآخرين، وقد منحته الحياة ما يجيز له «علو» و«تكبر» الحاكمين، المهيمنين؟.. كيف قنع واكتفى ولم يقل هل من مزيد من مسرات المال والجاه والشهرة؟.. أى طريق سلكته يا طبيب القلوب والأرواح؟ هُذِّب وشذب وصعد بنفسك، حتى صرت تخاف إلا أن تعطى كل ما بداخلك من علم ومعارف لمن سوف يكملون الطريق.. تؤثرهم بكدك (عاوز أدى كل معلوماتى للشباب، مش عاوز أى حاجة أعرفها تروح معايا..) تخشى ألا تدع ألا تعطى كل ما فى رأسك من ذروة متعتك أن تعطى من يحتاج..

جنتك تعيشها كلما خففت وجعاً.. جنتك باتساع أمنياتك الحلوة للناس.. هذا رضا ربانى، أطال الله فى عمرك ووسع من جناتك التى يسرها الله عبرك لكل البشر.

أو تعرف يا سيدى، «السعادة» التى نور الله قلبك، فوجدتها طوع يديك وأنت تداوى القلوب، لو تعرف كم هى «قصية».. عزيزة المنال.. أى مشقة يلقاها الناس بحثاً عنها..؟ أى وعورة لطرق ودروب يسلكونها وهم يفتشون عنها فى الثروة.. المجد.. الشهرة.. السلطة، فإذا بهم أمام سراب يتبخر.. ماء مالح يعبون منه، بلا ارتواء.. لهاث لا يتوقف وألوان من السراب تأخذهم وتحاصر إنسانيتهم فى حيز «سجن الأنا»، الذى إن اتسع قليلاً ما تجاوز إلا دائرة الامتداد. قد تفنى أعمار ولا يدرك أصحابها ولو مساً من السعادة، وإن امتلكوا ما تصوروه أنه السعادة.. دلنا أيها القديس على خطو معراج روحك، العالم أحوج ما يكون لأن يتعلم من سموك وتعاليك الروحى، وتواضع نفسك وخفض جناحيك لكل من يحتاج.. عله يلحق ببعض الطريق.
نقلا عن الوطن