Oliver كتبها
- الأماكن تحمل ذكرياتنا.تأت إلي مكان فيشحنك المكان بما فيه.تتقدس الأفكار بتأثير المكان و تتنجس أيضاً.لكن عظمة المنقادين بالروح أنهم يصنعون تاريخاً جديداً للمكان و يضعون فيه بذرة الصلاح فيصير نافعا لهم و لغيرهم .هذا ما فعله الرب يسوع في البرية صانعاً لنا سماءا جديدة و أرضا جديدة.حيثما يحل المسيح تتبدل الحال من ظلمة إلي نور.

- من البرية إلي جبل الكورينتينا قاد الروح القدس المسيح الإنسان لأنه لاهوتياً لا ينقاد بالروح بل يتحد به مع الآب ثالوث مساوي لا يقود أقنوم الآخر.لذلك نؤمن أن إقتياد الروح القدس للمسيح هو ناسوتياً إعلان لنا أن الحرب هي مع  المسيح الإنسان نائب البشرقدام الله ضد عدو الإنسان إبليس.لا يعني هذا أن اللاهوت لم يكن حالاً  في المسيح وقت التجربة فالإتحاد أبدي منذ لحظة التجسد بين اللاهوت و الناسوت لكن اللاهوت لم يتدخل وقت التجربة كما لم يتدخل وقت الصلب و الموت.

- إذا وقفت فوق الكورنتينا ستتجمع قدامك أهم القصص العتيقة لتاريخ شعب الله و تسمع صليل سيوف المعارك القديمة.لو نظرت بالروح من هناك سوف تلمس في تلك الأماكن بصمات موسي النبي و يشوع و إيليا و ستسمع صوت يوحنا الصارخ حتي قمة الجبل.جبل الكورينتينا كلمة لاتينية تعني الأربعين بعدما صار صوم مخلصنا الصالح هو أشهر ما تم فوق هذا الجبل.فتسمي الجبل بإسم عدد أيام صومه.أخذ الروح القدس المسيح إلي أرض المعارك القديمة كي يؤسس لنا النصرة في المعارك الجديدة مع عدو الخير.

- جبل التجربة يقع قرب نهر الأردن شرق أريحا .من فوق الجبل تر جميع الإتجاهات. نهر الأردن و موآب القديمة و البحر الميت و أيضاً جلعاد و في الناحية الأخري تري الهيكل عن بُعد.كان أكثر من إثني عشر ألفا من الكهنة و اللاويون يسكنون أريحا و يدورون حول هذا الجبل لكي يصلوا إلي أورشليم ليخدموا الهيكل ليتفادوا لصوص برية أريحا فهل كان الرب يقصد إبليس و جنوده الذين إستوطنوا البرية و القلوب لو10: 25-37 .المفرح أن هذا الجبل الآن لا يسكنه اللصوص بل تحولت فيه الكهوف إلي ساكني البراري من محبي المسيح النساك و الرهبان و الراهبات.هكذا إمتدت نصرة المسيح إلي الأماكن ذاتها.

-  في أحد تلك الكهوف عاش إيليا النبي هارباً من وجه آخاب الملك .فإذا كان يوحنا المعمدان قد نال من روح إيليا فإن غإيليا نفسه نال ما يؤهله كي يصير أيقونة مصغرة للسلطان الإلهي المعلن ضد خصم الوجود كله.لذلك جاء المسيح هذا المكان لكي ينتصر علي رئيس هذا العالم و ساكن الخرب الأبدية.في البرية الممتدة من سيناء  وقف الناس عطاشي قدام الصخرة في حوريب سأل الشعب القديم :أفي وسطنا الرب أم لا خر17: 7 .ضرب موسي الصخرة فخرج الماء و الآن يضرب إبليس صخرتنا المسيح فيخرج لنا في برية هذا العالم المنهزم نصرة أبدية لمن يؤمن به و خبز حى وماء
حياة للعطاشي إلي البر.نح9: 15

-التجارب التي حاول بها إبليس أن يجرب المسيح كانت تتم علي إرتفاع يتدرج مع كل مرة.فالحجارة التي كانت في التجربة الأولي التي طلب إبليس من المسيح أن يحولها خبزاً كانت في سفح الجبل.هي ناتجة من تحطم الصخور الكبيرة التي سقطت قديماً.فالبشرية  حجارة ساقطة متفتتة من الصخرة الأولي آدم و حواء.وقعت الصخرة و جئنا منها بعد السقوط فكان سفح الجبل موطننا.إختف عنا الله و إختفينا.سكننا في البرية عوض الفردوس.ما عادت الحية تتخفي بل رأسها ظاهراً يتلاعب بنا حتي داسه نسل المرأة.كان السفح مناسباً لتجربة الجوع.فالأرض جرداء و الجبل قاس و المسيح يبدو وديعاً بلا سلاح لكن قوته كامنة فيه و إبليس لا يعرف.لذلك إنهزم من المسيح لسبب سر وداعته و إتكاله علي الله.صار خبزه ليس من البرية لكن من مشيئة الله أبيه المعلنة في رسالة الخلاص.إنتصر المسيح علي شهوة الجسد لننتصر به.

- كانت التجربة الثانية تتطلب الإبهار و بناء الهيكل الفخم مصدر فخر لمن يدخله.المسيح الأقنوم تخلي عن مجده تاركاً إبليس يأخذه بعيداً عن الجبل.لو كان إبليس جسداً لقلنا أنه محتاج ساعات لكي يصل من الجبل إلي الهيكل في أورشليم.لكنه روح شريرة قادرة بقوة رئيس ملائكة سابق فلا أعتقد أن الأمر إحتاج وقتاً طويلاً كي يصلا معاً إلي البقعة المقدسة.الغريب في جسارة إبليس أنه أخذ المسيح إلي جناح الهيكل أي إلي أحد أروقة الهيكل الجانبية.هناك يختلط المقدس بغير المقدس.السوق قدامك و الهيكل قدامك فتختلط الأفكار.يسهل للمتغافلين أن ينطرحوا هنا .جناح الهيكل مرتفع و الناس مزدحمة و الأصوات متداخلة و الباعة يصيحون مثل الكتبة و الفريسيين.إختلاط الهيكل بالعالم موضع السقوط.أطرح نفسك لو كنت إبن الله؟ دعوة إبليس دعوة للسقوط.لا تجرب الرب إلهك. دعوة المسيح دعوة القيامة الأبدية فلا تدع الصوتان يتداخلان.ضع فاصلاً بين الجبلين.جبل التجربة و جبل الهيكل و لا تتمشي بينهما بل إلزم الهيكل مثلما سمعان و حنة النبية. من لا يفتخر بنفسه يحسن الدخول من الباب الضيق فلا تعوقه ذاته.
-عاد المسيح إلي جبل التجربة متخلياً كما غادره.إبليس لا ييأس و لا نحن.الصمت يسود المسيرة بين الخصمين.أما صمت المسيح فهو إتصال بالآب أما صمت إبليس فهو مكر الشرير.المسيح في الطريق و إبليس متحيراً من هذا الذي لا يغلبه الجوع و لا يسقط في الكبرياء.فلتكن التجربة الثالثة في علاقته بالله.لتكن فاصلة فإما يصير معي أو ضدي.في التجربتين السابقتين لم يكن في الأفق خصومة.فالجوع تجربة بين الإنسان و جسده و الكبرياء تجربة بين الإنسان و ذاته و الآن التجربة بين الإنسان و إلهه.فإن سقط فيها صار خصماً لله و إن إجتازها صار خصماً لإبليس.يعاني إبليس من فصله عن الملائكة منذ زمن بعيد فيريد أن يفصلنا معه.السقوط في الخضوع لأفكار إبليس هو السجود له.ترك الإرادة للخطية و إنتزاع أيادينا من يد الله هو إعلان الخصومة المميتة.من يفصل نفسه عن الله يصير صيداً لإبليس بغير عناء.

-كانت التجربة تتطلب الإرتفاع إلي قمة الجبل.أكثر من ثلاثمائة متر يصعدها المسيح كالمصلوب و إبليس يراقب أنفاسه.البعض تتضاءل الدنيا في عينيه كلما إرتفع في علاقته مع الله و البعض يشتهي الدنيا كلما تمادى في علاقته بالخطية.إن ممالك الأرض التي رآها إبليس ليست تلك التي رآها المسيح.فلننظر بعيون المسيح لنتحقق من الممالك.أين سدوم و اين عمورة؟أين بابل و أبراجها؟أين آدوم و سعير.بادت مع خيام بني قيدار فبأي ممالك نتمسك؟لنا المسيح وحده و مملكته هي بالحقيقة ما نشتهي.له نسجد لكي نصير ضمن خدامه و أبناءه.له نعبد لأننا نؤمن بلاهوته.لن نترك فراغاً بيننا و بين الله إلا و نصلي كي يملئه روح الله فلا يجد فينا إبليس مكاناً.التوبة تزيل الفراغ بيننا و بين الله نصلي كي نكون له بكل القلب و الفكر و النفس معاً. أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ لو1: 74.