في مثل هذا اليوم 6 مارس1475م..
ميكيلانجيلو بوناروتي (Michelangelo Buonarroti) كان رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، كان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة.

اعتبر ميكيلانجيلو أن جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة. حتى أن جميع فنونه المعمارية كانت ولابد أن تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار، أو باب.

كان ميكيلانجيلو يبحث دائمًا عن التحدي سواء كان تحديا جسديا أو عقليا، وأغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت لوحات جصية أو لوحات فنية مرسومة، وكان ميكيلانجيلو يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائمًا ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة في صورة واحدة، وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين، ومواضيع أخرى. نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في صنع تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرًا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه. اثنان من أعظم أعماله النحتية، تمثال داوود وتمثال بيتتا العذراء تنتحب قام بإنجازهما وهو دون سن الثلاثين.

رغم كون ميكيلانجيلو من الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة. فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب المسيح.

تعرف ميكيلانجيلو، خلال مسيرة عمله، على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير. رعاته كانوا دائمًا من رجال الأعمال الفاحش الثراء أو رجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية بالإضافة لأعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني، كليمنت السابع وبولس الثالث. سعى ميكيلانجيلو دائمًا ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يعلم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة.

من صفات ميكيلانجيلو أنه كان يعتبر الفن عمل يجب أن يتضمن جهدا كبيراً وعملاً مضنياً فكانت معظم أعماله تتطلب جهداً عضلي وعدداً كبيرا من العمال وقليلاً ما كان يفضل الرسم العادي الذي يمكن أداؤه بلباس نظيف. وتُعتبر هذه الرؤية من إحدى تناقضاته التي جعلته يتطور في نفسه من حرفي إلى فنان عبقري قام بخلقه بنفسه.

قام ميكيلانجيلو في فترة من حياته بمحاولة تدمير كافة اللوحات التي قام برسمها ولم يبق من لوحاته إلا بضعة لوحات ومنها لوحة باسم "دراسة لجذع الذكر"، التي أكملها عام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحو أربعة ملايين دولار، وكانت هذه اللوحة واحدة من عدة رسومات قليلة للأعمال الأخيرة لميكيلانجيلو الذي توفي عام 1564، والتي تبدو أنها تمت بصلة إلى شخصية المسيح.

بالرغم من اعتبار رسم اللوحات من الاهتمامات الثانوية عند ميكيلانجيلو إلا أنه تمكن من رسم لوحات جدارية عملاقة أثرت بصورة كبيرة على منحى الفن التشكيلي الأوروبي مثل تصوير قصة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين، ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما. ما يُعتبر فريدا في حياة فناني عصر النهضة إن ميكيلانجيلو كان الفنان الوحيد الذي تم كتابة سيرته على يد مؤرخين بينما كان على قيد الحياة حيث قام المؤرخ جورجو فازاري بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة، ووصف الأخير ميكيلانجيلو بذروة فناني عصر النهضة. مما لا شك فيه أن ميكيلانجيلو قد أثر على من عاصروه ومن لحقوه بتأثيرات عميقة فأصبح أسلوبه بحد ذاته مدرسة وحركة فنية تعتمد على تضخيم أساليبه ومبادئه بشكل مبالغ به حتى أواخر عصر النهضة فكانت هذه المدرسة تستقي مبادئها من رسوماته ذات الوضعيات المعقدة والمرونة الأنيقة.

في عام 1505 دعا البابا يوليوس الثاني ميكيلانجيلو ليعود إلى روما حيث حصل على إجازة لبناء ضريح البابا. اضطر ميكيلانجيلو، تحت رعاية البابا أن يتوقف عن العمل في الضريح عدد من المرات ليقوم بتنفيذ مهام أخرى من المهام العديدة التي كانت موكلة إليه، وبسبب هذه المقاطعات، فإن العمل على القبر لم ينته إلا بعد مرور 40 سنة، وحتى عند ذلك فإن ميكيلانجليو لم يعتبر أنه أنجز العمل كما كان يجب. وتجدر الإشارة إلى أن جثمان يوليوس الثاني لم يوضع بداخل الضريح كما كان مقررًا، حيث أنه توفي عام 1513 بينما انتهى العمل بالقبر عام 1545. من أبرز سمات هذا العمل الفني، وجود منحوتة للنبي موسى في وسطه، وكل من راحيل وليا على جانبيه. يقع هذا القبر اليوم في كنيسة القديس بطرس المكبّل.

حصل ميكيلانجلو، خلال نفس الفترة التي كان يقوم أثنائها بالعمل على ضريح البابا يوليوس الثاني، على إجازة تخوله طلاء وزخرفة سقف كنيسة سيستان، وقد أنجز هذا العمل خلال 4 سنوات تقريبًا (1508–1512). وفقًا لما تفيد به قصة ميكيلانجلو، فإن دوناتو برامنتي ورفائيل سانزيو هما من أقنع البابا باستخدام ميكيلانجيلو في حقل إبدعي ليس مألوفًا له، وكان الهدف من وارء ذلك إحراجه وإظهار فشله في هذه النقطة أمام البابا، وذلك حتى يستمر رافائيل، منافس ميكيلانجيلو الأول، أبرز رسّامي عصره، وأول من له حظوة بينهم عند ذوي الشأن. كان من المفترض لميكيلانجيلو أن يقوم برسم تلاميذ المسيح الإثني عشر على خلفيّة سماء برّاقة، لكنه رغب بالقيام بأمر أكثر تعقيدًا، وهو رسم خلق الإنسان، هبوطه من الجنة، والخلاص الموعود عن طريق الأنبياء وأنساب المسيح. ضمّت اللوحة النهائية ما يزيد عن 300 رسم، وكانت حلقاتها التسعة المركزية مستوحاة من سفر التكوين، وتم تقسيمها إلى 3 أقسام: خلق الله للأرض؛ خلق الله لآدم وهبوطه وحواء من الجنة، وأخير حالة البشر كما يمثلها النبي نوح وعائلته.

توفي البابا يوليوس الثاني في عام 1513، وخلفه ليو العاشر، وهو من آل ميديشي الذين تربطهم علاقة وثيقة وقديمة بميكيلانجيلو، فطلب منه أن يشرع في ترميم واجهة كنيسة القديس لورينزو في فلورنسا، وأن يزينها بالمنحوتات. وافق ميكيلانجيلو على هذا المشروع على مضض، وأمضى السنوات الثلاثة اللاحقة وهو يرسم المخطوطات ويضع التصاميم للواجهة الجديدة، كما حاول أن يفتح مقلعًا رخاميًا جديدًا في بيتراسانتا ليستخرج منه الحجارة اللازمة لهذا المشروع خصيصًا. تُعد هذه الفترة في حياة ميكيلانجيلو الأكثر إحباطًا بالنسبة له، إذ تمّ إيقاف المشروع فجأة من قبل رعاته الذين كانوا يعانون من ضائقة ماليّة، قبل أن يُنفذ أي جزء منه، وما زالت الكنيسة تفتقد لواجهة حتى اليوم.

عاد آل ميديشي إلى ميكيلانجيلو يطلبون منه تنفيذ مشروع آخر ضخم، حتى بعد أن فشل في تنفيذ المشروع الأول سالف الذكر، وفي هذه المرة عُهد إليه بإنشاء مُصلّى جنائزي عائلي في كنيسة القديس لورينزو. انشغل ميكيلانجيلو بالعمل على تصميم المصلّى وتشييده في معظم عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن السادس عشر، وفي نهاية المطاف نجح في إنهاء القسم الأكبر منه.

في عام 1527، قام كارلوس الخامس، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بمهاجمة روما واحتلالها في إطار حربه مع عصبة كونياك، فتشجع أهالي فلورنسا وأطاحوا بآل ميديشي، وأعادوا المدينة إلى النظام الجمهوري الذي كانت عليه قديمًا. حوصرت فلورنسا بعد هذا طيلة ثلاث سنوات، وقد ساهم ميكيلانجيلو في تحصين المدينة وتدعيمها طيلة فترة الحصار، لكنها سقطت في سنة 1530، وأُُعيد آل ميديشي إلى سدّة العرش. وفي هذه المرحلة كان ميكيلانجيلو قد فقد أي تعاطف مع تلك الأسرة الحاكمة، وأصبح يعتبرهم حكّام طغاة قامعين للشعب، فآثر مغادرة فلورنسا إلى الأبد في أواسط عقد الثلاثينيات من القرن السادس عشر، وترك مساعديه ليكملوا تشييد المُصلّى الجنائزي.

أعماله الأخيرة في روما
يوم القيامة: القديس برثلماوس يحمل سكينه بيد وجلده المسلوخ باليد الأخرى.

مرة أخرى تم استدعاء ميكيلانجيلو للعمل في كنيسة سيستاين سنة 1534 حيث كُلّف بمهمة زخرفة الحائط فوق المذبح (يوم القيامة 1536 - 1541). قام ميكيلانجيلو بإنجاز رسومات تتحدث عن نبوءة عودة المسيح قبل نهاية العالم ضمن مشهد صوره وهو المسيح يقوم بتوجيه ضربة للشيطان بينما يده اليسرى وبرقة تطلب الرحمة والمغفرة له، وبجانب السيد المسيح كانت مريم العذراء وهي تنظر إلى الحشود الغفيرة المنبثقة من القبور جميعهم من الكهنة والصالحين صاعدين نحو الجنة، صورهم ميكيلانجيلو عراة وبكميات ضخمة ربما ليؤكد النبوءة التي تقول بأنهم سيعودون صحيحي الجسد والروح.

ضمن الزاوية السفلية اليمنى من الحائط كانت قد صُوّرت جهنم بشكل مختلف، فلم يُصور الشيطان أو العفاريت كما هو مألوف فميكيلانجيلو اقتبس بدلا من ذلك مقتطفات من القصة الأسطورية: الكوميديا الإلهية للكاتب الإيطالي المشهور دانتي أليغييري، وبعد أن قام ميكيلانجيلو برفع الغطاء عن لوحته الجدارية هذه تعرّض لموجة ضخمة من النقد بسبب الرسوم العارية خصوصاً، فأصبحت حديثًا على كل لسان ولهذا السبب ربما أصبحت هذه اللوحة أحد أشهر أعمال ميكيلانجيلو خلال القرن السادس عشر.

استغرق العمل على اللوحة ست سنوات كاملة، وكانت هذه اللوحة تعبيرا عن المجيء الثاني للمسيح ونهاية العالم. نظم كاردينال كارافا حملة ضد ميكيلانجيلو بسبب الصور العارية في تلك اللوحة الضخمة وعُرفت الحملة "بحملة ورقة التين"، وتم اتهام ميكيلانجيلو بإهانة الكنيسة، وفي مفاجئة مذهلة قرر البابا إبقاء الصور كما هي وقال عبارته المشهورة: "محكمة الفاتيكان لا صلاحيات لها في منطقة الجحيم".

في عام 1546، عُيّن ميكيلانجيلو المهندس المعماري الرئيسي المشرف على تشييد كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، فقام بتصميم قبتها، وشرع في العمل على بنائها بأسرع ما يمكن، إذ شعر آنذاك بدنو أجله، وخاف أن يموت قبل إتمام العمل. تمكن ميكيلانجيلو من تشييد القسم الأدنى من القبة والحلقة الداعمة، قبل أن توافيه المنية وهو في أواخر عامه الثامن والثمانين، فنُقل جثمانه من روما إلى كنيسة الصليب الأقدس في فلورنسا حيث دُفن بناءً على وصيته.!!