د. مينا ملاك عازر 
لم يعد هناك مجال للموج الأزرق في العينين ينادي نحو الأعمق، وهذه الشاعرية المفرطة التي تحلى بها نزار قباني، وإنما المكان الآن للموج الأسود الخارج من بين ضلوع البحر المتوسط، ذلك الموج الأسود الذي غطى على بحار الدماء المهدرة بسبب المفقودين والغرقى في نفس مياه هذا البحر، في هجرات غير شرعية هاربة وفارة من فقر وديكتاتورية بائسة تطغى عليهم في بلادهم، الآن ما عاد يشغل الجميع في العالم بأثره إلا الموج الأسود الخارج من أعماق الأزرق المتلاطم فيما بين شواطئ المتوسط.
 
الصراع على الغاز والبترول، الصراع على السيطرة على حقول النفط والغاز التي يكتشفها العالم في منطقة شرق البحر المتوسط -الخليج الجديد- تركيا تتحالف مع ليبيا وتنفي ما هو معلوم بالضرورة من وجود حدود بين ليبيا ومصر لكي تكون هي المهيمنة على منطقة البحر المتوسط التي تعج بحقول البترول وآبار الغاز، وسلام كبير أوي للثروات الطبيعية وحياة الدفء التي يحلم بها الأوروبيين بعد شرائهم الحرارة من الشرق المشتعل ليس فقط بالحروب ولكن أيضاً بالنفط والغاز.
 
الغاز الآن أصبح سر الحياة بعد الماء، يحتاجه الأوروبيين فتستورده مصر من إسرائيل بخمسة عشر مليار دولار لتعيد تصديره لأوروبا، ولتستفيد هي منه في تدوير المصانع وتدفئة المساكن وتشغيل عمالة هائلة في تسييله وتكريره وإعادة بيعه، تركيا تحترق لهذا، وروسيا تقلق على محبس الغاز الذي كان في يدها، تقفله فتبرد أوروبا، تفتحه فتدفء أوروبا وتصبح أوروبا تحت رحمتها، لكن أما والآن إسرائيل ومصر وقبرص واليونان يعدان أوروبا بأنابيب لتوصيل الغاز ومراكب لنقله مسال لها، فالأمر يهتز في قبضة الروس، فتترك تركيا تغامر وتضغط في ليبيا لتعلق الأمور، وتقلق الأوروبيين، وفي نفس الوقت تدعم حفتر لصد الغزو التركي بدعم من مصر لتضمن أنه إن فشل أردوغان وهذا وارد جداً، والأقرب للحصول، أن تبقى على علاقة جيدة بحفتر وبمصر، فربما تستطيع بشكل غير مباشر التأثير على الغاز المنقول لأوروبا، وهكذا يبقى الموج الأسود هو المتحكم في حركات الاقتصاد في القرن العشرين والواحد والعشرين، أى منذ اكتشافه وحتى لحظة كتابة هذا المقال.
 
آخر القول، لا يجب علينا الالتفات لحرب الغاز والسيطرة على آباره والحقول الخاصة به مع النفط، ونترك محبس الماء في إثيوبيا بيد قوة تستطيع تعطيشنا وموتنا عطشاً فانتبهوا.
 
المختصر المفيد الحرب الجارية بغير سلاح تقوم على خرائط الورق وبأجهزة المسح الجيولوجي.